بقلم ذ محمد بوطاهر
الحديث عن اللغة بشكل عام هُو حديث عن نظام مُعقّد من الاتصالات والتعالقات المُكثفة. إنه حديث في صميم علم اللغة وما يدور في فلكِه من النظريات اللغوية اللسانية وطرق الاستعمال والتداول. ويكون الأمر أشد تعقيدا حين يتعلق باللغة العربية التي هي من أكثر اللغات السّامية انتشارا وحمولة دينية كبيرة، تسمُو بها عند البعض نحو التقديس والأفضلية وكل معاني الجمال المُطلق. غير أن مقاربتنا لها في هذه السطور لا تتغيى النبش في كل هذه الأمور التقعيدية التي تبرز أصولها و أساليبها وبُناها وعلاقاتها بالقرآن الكريم، والتي تثير قلق الكثير من المُتعصِّبين لها عن علم أو جهل، بقدر ما نصْبُوا- احتفاء بيومِها العَالمي وغيرة عليها- إلى البحث عن أسباب أفولها يومًا بعد يوم وضمُور استعمالاتها التخاطبية المعهُودة، وخاصّة في مدارسنا واستعمالاتنا الرسمية.
الاحتفاء باللغة جزء من حركة إحيائية ترومُ النهوض بها ورد اعتبارها الجميل الذي كان أو قد يزال، فاللغة العربية لسان أهل قريش وبها نزل القرآن الكريم وتحدث الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن تلاه من أقوام كثر. فهي لغة قوية العبارة دقيقة السّبك وفصيحة المَعنى، تمتاز تراكيبها بخصائص خاصة، ويشغل فيها المَجاز، كما يقول ابن جني، حيزا كبيرا؛ فأكثر مُفرداتها مع تأمله مجاز لا حقيقة[1]. وهي لغة جامعة مانعة تحيط بالمعاني وتمنح المتكلم امكانات مُتعددة لا حَصر لها من التعبير، وبها أرخت علوم ثمينة ودونت دواوين بديعة. هذه مميزات ثابتة واضحة تجعل اللغة العربية تعيش قوية في القديم وتمتد قرونا عددا حتى اليوم.
غير أن قوتها وجماليتها التي كانت في الماضي ما انفكت تذبل مع توالي الزمن وصُروفه اللحْنية القاتلة. فمسحٌ بسيط للمجالين المعياري(النظري) والتداولي لهذه اللغة يكشف عن مدى تقهقر كثير من جوانب هذه اللغة العَامرة، بل وموت العديد من استعمالاتها التركيبية الجمالية التي كانت المثل الأعلى في القول العربي الفصيح أيام قريش الأولى والثانية (الجاهلية والاسلام)، وبالتحديد في مجال الشعر والخطابة وأدبيات التواصل الرّسمي. وليس هذا الكلام بجديد، فقد سبق أن نبّه اللغوي الكبير ابن فارس الى أن اللغة العربية لم تنته إلينا بكليتها.[2]
ويمكن إثارة هذه الاشكالاتِ التي توجعُ وداعَة اللغة العربية وتدفعها دفعًا نحو مدارك الأفول والموت فيما يلي:
- اللغةُ بصفة عامة كائن حيّ، يترعرع ُ ويكبر ثم يمُوت، قد تطول حياته بالاستعمال والتداول وقد يُدفن بغتة كما حدث للعشرات من اللغات الحيّة التي سادت ثم بادت.
- اللغة العربية كسائر اللغات البشرية أداة من أدوات التواصل البشري، ولا أفضلية لها من حيث هي حروف وأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.[3]
- اللغة العربية لغة الدين والقرآن، وقد خاطب بها الله تعالى قوم قريش آنئذ لأنهم كانوا لا يحسنون غير التعبير بها، فتم تحقيق الإعجاز اللغوي بما هم أهل له؛ أي بلسانهم، ولا يكسبها هذا النزول صفة التقديس أو الأفضلية، لأنه لو حق ذلك لجاز أن نلتمس القداسة للطب عند قوم موسى عليه السلام، فضلا عن ان جميع الآيات التي ذكرت اللغة العربية لا تحمل معنى التفضيل ولا المزية.[4]
- من أسباب تراجع اللغة العربية في الحاضر جُرعات التعصّب والتقديس الأعمى التي يدكّها البعض من المتعصبين للغة من منظور ديني إسلامي في جَسدها، جعلوها في البرج العاجي صعْبٌ سُلمها، لا يجب أن يرتقي إليها الا من بُشر بحظوة الآخرة، فهي لسان أهل الجنة ولغة الحور العين؛ فمن لزمها لسانا دخل الجنة ومن زاغ عن طريقها زلت إلى الحضيض قدمُه.
- الخلط بين اللغة وصبغة المسائل الدينية التي تم تقصير التعبُّد فيها على اللغة العربية وحدها، أمرٌ دقيق جعل فهم البعض من المدافعين عنها جُورا، يخلط بين اللغة و دين الاسلام و يرى أن لها اعتبارا استثنائيا يفوق جميع اللغات.
- أسباب فشل التعلّمات بالمدارس العمُومية راجع بالأساس إلى اللوبيات المُعادية لمثل هذا التصور الفاشل الذي يحمله البعض عن اللغة العربية. فأصحاب القرار في الوزارة الوصية؛ أصحاب النكهة الغربية الفرنكوفونية، يعملون بجهد من أجل دحض التمثل "التقديسي" للغة العربية، ويتمثل ذلك من خلال أخطاء الكتب المدرسية اللغوية ومنهجيات دروس اللغة العربية العرجاء. وكذا تشجيع بعض المدرسين لها على تحسيس الناشئة أنها أفضل لغات العالمين[5].
- الدفاع عن اللغة العربية بعجرفة وتعصّب عرقي (استثنائي شريف)، يُؤدي إلى تنفير المتعلم منها، وجعله - بوعي أو بدونه- يستحضر الهُوية واللغة الأم والمشترك اللغوي وكل التعالقات اللسنية التي يحتضنها مجتمعه، فيشتد داخله وطيس الآخر/ بلغته المُقدسة، فينتجُ عن ذلك نبذه ونبذ لغته العربية التي تميّزه.
- الفصاحةُ لا تقتصر على اللغة العربية وحْدها، بل هي سِمة تميز جميع لغات البشر كلها. وإنما عُدت العربية أفصح اللغات لأن قائل هذا الكلام من المتقدمين كان جاهلا باللغات الأخرى وما فيها من جمالية وحسن تعبير. (الثعالبي – ابن تيمية - ابن فارس – ابن جني ...)
- كل ما ينعتُ في اللغة العربية أنه فرادة وميزة خاصة، غير حروفها و خصائصها التركيبية والصرفية والصّواتية، لا يخرج عن المرادفات والاشتقاقات وصيغ المجاز والبديع، وهذه خصاص أسلوبية توجد في كل اللغات على قدر استعمالها وإجادة متكلميها بها، دون ذلك تبقى اللغة العربية كسائر اللغات من حيث وظيفتها الإبلاغية التواصلية.
- الدفاع عن اللغة العربية بالتشفي وادعاء المظلومية أو الاتكاء على منظورها الديني الاسلامي، عمل وجداني غير سديد، فالمنظومة اللغوية العالمية الآن تفرض على جميع اللغات الحية التعايش والتفكير أكثر في المُشترك اللساني بينها، وكل ما يتعلق بالمفاهيم والمصطلحات المُستجدة والوافدة من المعاجم المغايرة عن طريق النقل والاحتكاك والترجمة ..إلخ.
- التمثل الجيّد لقواعد اللغة العربية من طرف مُدرسيها في مختلف الأسلاك التعليمية، يُسهم في تحبيبها للآخر وتقريبها منه، أما حين تمتطي صَهوة أمُورها إمَّعات مولوعة باللحن والجهل، فأنذر بأفولها كما يريد أهل الشأن في الوزارة، وكذا ثلة من المُتربصين بها.
- في الأوساط المُجتمعية المُشتركة لساناً، كشريط الجنوب الشرقي مثلا، لا بد من استحضار خصوصيات اللغات الأم. ومنح المتعلم الناشئ مَساحة كافية لامتلاك القواعد الأساس في اللغات المدروسة وتصحيح التعثرات الصّواتية التي تحصُل. فهذا إجراء تربوي تعلّمي مهمٌ جدا في طرق الاكتساب السليم للغة عند المتعلمين.
نخلصُ من خلال هذه المُلاحظات المُشتركة تشخيصًا لداء الأفول واقتراحًا لمضائق الخروج من تفشي اللحن والرداءة في اللغة العربية، إلى تأكيد أهمية هذه اللغة الجميلة في كل المجتمعات المُعاصرة؛ تواصلا وتعبيرا جماليا واستيعابا لمضامين الدين الاسلام، دون إغفال أهمية اللغات الأخرى وما فيها من صيغ تعبيرية وجمالية وقدرات تواصلية بليغة. فموتُ اللغة العربية رهينٌ بموت أهلها، فاللغة إنما تصِيبها لعنة البوار بما كسبت أيدي أهلها الناطقين بها وحُماتها المُستضعفين.
(محمد بوطاهر - 21 دجنبر 2016)
[1] - الخصائص، ج 2، ص: 447
[2] - الصاحبي في اللغة، ج 1 ،ص: 36 (باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها)
[3] - الخصائص ، ج 1 ، ص: 33
[4] - قال عز وجلّ: ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)"فصلت 3" أي بُيِّنَتْ معانيه وأحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فهو معجز في لفظه ومعناه. يقصد الرسالة السماوية (القرآن)
(قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)"الزمر 28" لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس ، بل هو بيان ووضوح وبرهان.
(وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) "طه 113" ، (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء 195" مبين واضح فصيح . (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)"الرعد 37 " محكمًا معربًا جليًّا.
[5] - دعاة الاعتماد على الدارجة في طرق التدريس و التعليم في المغرب.
الحديث عن اللغة بشكل عام هُو حديث عن نظام مُعقّد من الاتصالات والتعالقات المُكثفة. إنه حديث في صميم علم اللغة وما يدور في فلكِه من النظريات اللغوية اللسانية وطرق الاستعمال والتداول. ويكون الأمر أشد تعقيدا حين يتعلق باللغة العربية التي هي من أكثر اللغات السّامية انتشارا وحمولة دينية كبيرة، تسمُو بها عند البعض نحو التقديس والأفضلية وكل معاني الجمال المُطلق. غير أن مقاربتنا لها في هذه السطور لا تتغيى النبش في كل هذه الأمور التقعيدية التي تبرز أصولها و أساليبها وبُناها وعلاقاتها بالقرآن الكريم، والتي تثير قلق الكثير من المُتعصِّبين لها عن علم أو جهل، بقدر ما نصْبُوا- احتفاء بيومِها العَالمي وغيرة عليها- إلى البحث عن أسباب أفولها يومًا بعد يوم وضمُور استعمالاتها التخاطبية المعهُودة، وخاصّة في مدارسنا واستعمالاتنا الرسمية.
الاحتفاء باللغة جزء من حركة إحيائية ترومُ النهوض بها ورد اعتبارها الجميل الذي كان أو قد يزال، فاللغة العربية لسان أهل قريش وبها نزل القرآن الكريم وتحدث الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن تلاه من أقوام كثر. فهي لغة قوية العبارة دقيقة السّبك وفصيحة المَعنى، تمتاز تراكيبها بخصائص خاصة، ويشغل فيها المَجاز، كما يقول ابن جني، حيزا كبيرا؛ فأكثر مُفرداتها مع تأمله مجاز لا حقيقة[1]. وهي لغة جامعة مانعة تحيط بالمعاني وتمنح المتكلم امكانات مُتعددة لا حَصر لها من التعبير، وبها أرخت علوم ثمينة ودونت دواوين بديعة. هذه مميزات ثابتة واضحة تجعل اللغة العربية تعيش قوية في القديم وتمتد قرونا عددا حتى اليوم.
غير أن قوتها وجماليتها التي كانت في الماضي ما انفكت تذبل مع توالي الزمن وصُروفه اللحْنية القاتلة. فمسحٌ بسيط للمجالين المعياري(النظري) والتداولي لهذه اللغة يكشف عن مدى تقهقر كثير من جوانب هذه اللغة العَامرة، بل وموت العديد من استعمالاتها التركيبية الجمالية التي كانت المثل الأعلى في القول العربي الفصيح أيام قريش الأولى والثانية (الجاهلية والاسلام)، وبالتحديد في مجال الشعر والخطابة وأدبيات التواصل الرّسمي. وليس هذا الكلام بجديد، فقد سبق أن نبّه اللغوي الكبير ابن فارس الى أن اللغة العربية لم تنته إلينا بكليتها.[2]
ويمكن إثارة هذه الاشكالاتِ التي توجعُ وداعَة اللغة العربية وتدفعها دفعًا نحو مدارك الأفول والموت فيما يلي:
- اللغةُ بصفة عامة كائن حيّ، يترعرع ُ ويكبر ثم يمُوت، قد تطول حياته بالاستعمال والتداول وقد يُدفن بغتة كما حدث للعشرات من اللغات الحيّة التي سادت ثم بادت.
- اللغة العربية كسائر اللغات البشرية أداة من أدوات التواصل البشري، ولا أفضلية لها من حيث هي حروف وأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.[3]
- اللغة العربية لغة الدين والقرآن، وقد خاطب بها الله تعالى قوم قريش آنئذ لأنهم كانوا لا يحسنون غير التعبير بها، فتم تحقيق الإعجاز اللغوي بما هم أهل له؛ أي بلسانهم، ولا يكسبها هذا النزول صفة التقديس أو الأفضلية، لأنه لو حق ذلك لجاز أن نلتمس القداسة للطب عند قوم موسى عليه السلام، فضلا عن ان جميع الآيات التي ذكرت اللغة العربية لا تحمل معنى التفضيل ولا المزية.[4]
- من أسباب تراجع اللغة العربية في الحاضر جُرعات التعصّب والتقديس الأعمى التي يدكّها البعض من المتعصبين للغة من منظور ديني إسلامي في جَسدها، جعلوها في البرج العاجي صعْبٌ سُلمها، لا يجب أن يرتقي إليها الا من بُشر بحظوة الآخرة، فهي لسان أهل الجنة ولغة الحور العين؛ فمن لزمها لسانا دخل الجنة ومن زاغ عن طريقها زلت إلى الحضيض قدمُه.
- الخلط بين اللغة وصبغة المسائل الدينية التي تم تقصير التعبُّد فيها على اللغة العربية وحدها، أمرٌ دقيق جعل فهم البعض من المدافعين عنها جُورا، يخلط بين اللغة و دين الاسلام و يرى أن لها اعتبارا استثنائيا يفوق جميع اللغات.
- أسباب فشل التعلّمات بالمدارس العمُومية راجع بالأساس إلى اللوبيات المُعادية لمثل هذا التصور الفاشل الذي يحمله البعض عن اللغة العربية. فأصحاب القرار في الوزارة الوصية؛ أصحاب النكهة الغربية الفرنكوفونية، يعملون بجهد من أجل دحض التمثل "التقديسي" للغة العربية، ويتمثل ذلك من خلال أخطاء الكتب المدرسية اللغوية ومنهجيات دروس اللغة العربية العرجاء. وكذا تشجيع بعض المدرسين لها على تحسيس الناشئة أنها أفضل لغات العالمين[5].
- الدفاع عن اللغة العربية بعجرفة وتعصّب عرقي (استثنائي شريف)، يُؤدي إلى تنفير المتعلم منها، وجعله - بوعي أو بدونه- يستحضر الهُوية واللغة الأم والمشترك اللغوي وكل التعالقات اللسنية التي يحتضنها مجتمعه، فيشتد داخله وطيس الآخر/ بلغته المُقدسة، فينتجُ عن ذلك نبذه ونبذ لغته العربية التي تميّزه.
- الفصاحةُ لا تقتصر على اللغة العربية وحْدها، بل هي سِمة تميز جميع لغات البشر كلها. وإنما عُدت العربية أفصح اللغات لأن قائل هذا الكلام من المتقدمين كان جاهلا باللغات الأخرى وما فيها من جمالية وحسن تعبير. (الثعالبي – ابن تيمية - ابن فارس – ابن جني ...)
- كل ما ينعتُ في اللغة العربية أنه فرادة وميزة خاصة، غير حروفها و خصائصها التركيبية والصرفية والصّواتية، لا يخرج عن المرادفات والاشتقاقات وصيغ المجاز والبديع، وهذه خصاص أسلوبية توجد في كل اللغات على قدر استعمالها وإجادة متكلميها بها، دون ذلك تبقى اللغة العربية كسائر اللغات من حيث وظيفتها الإبلاغية التواصلية.
- الدفاع عن اللغة العربية بالتشفي وادعاء المظلومية أو الاتكاء على منظورها الديني الاسلامي، عمل وجداني غير سديد، فالمنظومة اللغوية العالمية الآن تفرض على جميع اللغات الحية التعايش والتفكير أكثر في المُشترك اللساني بينها، وكل ما يتعلق بالمفاهيم والمصطلحات المُستجدة والوافدة من المعاجم المغايرة عن طريق النقل والاحتكاك والترجمة ..إلخ.
- التمثل الجيّد لقواعد اللغة العربية من طرف مُدرسيها في مختلف الأسلاك التعليمية، يُسهم في تحبيبها للآخر وتقريبها منه، أما حين تمتطي صَهوة أمُورها إمَّعات مولوعة باللحن والجهل، فأنذر بأفولها كما يريد أهل الشأن في الوزارة، وكذا ثلة من المُتربصين بها.
- في الأوساط المُجتمعية المُشتركة لساناً، كشريط الجنوب الشرقي مثلا، لا بد من استحضار خصوصيات اللغات الأم. ومنح المتعلم الناشئ مَساحة كافية لامتلاك القواعد الأساس في اللغات المدروسة وتصحيح التعثرات الصّواتية التي تحصُل. فهذا إجراء تربوي تعلّمي مهمٌ جدا في طرق الاكتساب السليم للغة عند المتعلمين.
نخلصُ من خلال هذه المُلاحظات المُشتركة تشخيصًا لداء الأفول واقتراحًا لمضائق الخروج من تفشي اللحن والرداءة في اللغة العربية، إلى تأكيد أهمية هذه اللغة الجميلة في كل المجتمعات المُعاصرة؛ تواصلا وتعبيرا جماليا واستيعابا لمضامين الدين الاسلام، دون إغفال أهمية اللغات الأخرى وما فيها من صيغ تعبيرية وجمالية وقدرات تواصلية بليغة. فموتُ اللغة العربية رهينٌ بموت أهلها، فاللغة إنما تصِيبها لعنة البوار بما كسبت أيدي أهلها الناطقين بها وحُماتها المُستضعفين.
(محمد بوطاهر - 21 دجنبر 2016)
[1] - الخصائص، ج 2، ص: 447
[2] - الصاحبي في اللغة، ج 1 ،ص: 36 (باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها)
[3] - الخصائص ، ج 1 ، ص: 33
[4] - قال عز وجلّ: ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)"فصلت 3" أي بُيِّنَتْ معانيه وأحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فهو معجز في لفظه ومعناه. يقصد الرسالة السماوية (القرآن)
(قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)"الزمر 28" لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس ، بل هو بيان ووضوح وبرهان.
(وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) "طه 113" ، (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء 195" مبين واضح فصيح . (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)"الرعد 37 " محكمًا معربًا جليًّا.
[5] - دعاة الاعتماد على الدارجة في طرق التدريس و التعليم في المغرب.