بقلم : يونس لقرع -إطار تربوي
إن أي باحث في تاريخ المدارس العليا للأساتذة يجد أن هذه المؤسسة راكمت منذ تأسيسها تجربة كبيرة في مجال تكوين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي ، لكن بصدور مرسوم إلحاق المدارس العليا للأساتذة إلى الجامعات سنة 2009 فقدت هذه المدارس جوهر عملها و أصبحت مؤسسة فارغة بدون هوية . كما ساهمت مجموعة من العوامل بعد قانون نقل المدارس العليا للجامعات إلى تعميق أزمة هذه المؤسسة ، و لعل أبرزها إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين سنة 2011 ، فأي تاريخ للمدارس العليا للأساتذة في زمن التأسيس و في ظل إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين؟
المدارس العليا للأساتذة هي مؤسسة استنسخها المغرب من فرنسا ، و تطلع بمهمة تكوين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي ، فهذه المؤسسة لها مكانتها البحثية و لعل أكبر دليل على مكانتها داخل الحقل التقافي في فرنسا هو مساهمتها في إغناء المشهد التقافي بأبرز المفكرين ، نذكر منهم باستور، البيولوجي الشهير، برغسون ولويس ألتوسير وديزانتي وألان وديريدا وبورديو وليفي ستراوس وسارتر وسيمون فايل.. وهم فلاسفة وازنون في الساحة الفكرية والفلسفية العالمية، و يكفي أن نذكر أن 12 عشر من خريجها حصلوا على جائزة نوبل.
هوية المدارس العليا للأساتذة بموجب قانون إحداثها هو تكوين أطر تربوية للتدريس و كذلك المساهمة في التكوين المستمر ، إضافة إلى مهمة البحث التربوي و تطوير منظومة التربية و التكوين ، و أي خروج عن هذا الجوهر هو ضرب في الهوية التربوية التي ميزت المدارس العليا للأساتذة طوال عقود من العمل على تكوين أساتذة ، و ضرب في سنوات الخبرة التي راكمتها هذه المدارس على مستوى التكوين المعرفي و البيداغوجي في مجال التدريس. و لعل ما يؤسف حقا هو تخلي وزارة التربية الوطنية عن هذه المؤسسة باللجوء إلى التوظيف بالتعاقد و بدون تكوين في قطاع حيوي مثل قطاع التعليم و التعاقد مع مجازين بدون تكوين ، علما أن هناك فئة تكونت في المدارس العليا للأساتذة في إطار المشروع الحكومي لتكوين 10000 إطار تربوي ، ما زالوا في جحيم البطالة ، و لعل ما زاد عمق المشكل أكثر هو هؤلاء الأطر التربوية التي تلقت أفضل التكوينات لتجد نفسها في البطالة و تجد الدولة في مفارقة عجيبة تستعين بأطر غير مكونة للتدريس ، مما يجعل المتتبع لسياسة تدبير الشأن التعليمي ببلادنا يدرك جيدا غياب أي نية حقيقة للإصلاح .
علاقة المدارس العليا للأساتذة بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين من بين الملفات الشائكة في مجال تكوين المدرسين في المغرب ، في ظل تضارب في الاختصاصات بين المؤسستين ، فنقل المدارس العليا للأساتذة للجامعات بموجب الظهير الشريف رقم 1.09.100 الصادر 6 رجب 1430(29 يوليوز 2009) يؤكد في المادة الخامسة، على استمرار المدارس العليا للأساتذة في أداء مهام التكوين الأساسي و المستمر تلبية لحاجيات قطاع التربية و التعليم ، غير أن الطابع التعاقدي لهذا النقل يجعل من وزارة التربية الوطنية هي من عليها أن تبادر في طلب حاجيتها من المدارس العليا في ظل وجود خصاص كبير على مستوى الموارد البشرية في أغلب المؤسسات التعليمية.
إن إلحاق المدارس العليا للأساتذة بالجامعات لا يعني إسقاط مهام هذه المؤسسة ، فإذا كانت الجامعات تنتج المعارف ، فإن المدارس العليا للأساتذة تشتغل على ديداكتيك المواد ، أي تحويل المعارف النظرية إلى معارف قابلة للتدريس ، عبر ما يسمى في مجال التدريس " بالنقل الديداكتيكي" ، فمنذ سنة 2010 لم تطلع بمهمتها ، إلى أن جاء البرنامج الحكومي لتكوين 10000 إطار تربوي ، الذي أعاد الاعتبار لهذه المؤسسة ، خصوصا و أن الشهادة المسلمة من طرف المدارس العليا للأساتذة هي شهادة الأهلية لمهن التدريس ، فالمطلوب من وزارة التربية و التكوين و وزارة التعليم العالي أن تبلورا رؤية مشتركة تحتفظ المدارس العليا للأساتذة بمقتضاها بخصوصيتها في إطار التشارك كما نص على ذلك قانون نقل هذه المدارس للجامعات . الخصاص المهول في قطاع التربية و التكوين على صعيد مجموعة من التخصصات ، يفرض بشكل مستعجل عدم التفريط في القيمة المضافة التي تشكلها هذه المدارس العليا للأساتذة و الإبقاء على مهمة تكوين الأساتذة ضمن مهامها .
فشل التدبير في قطاع حيوي مثل التعليم الذي يعتبر ركيزة أساسية في تنمية أي مجتمع يتحمل مسؤوليته القائمين في البلاد عبر إسناد مهمة التدبير لغير المختصين، فطوال سنين عانت منظومتنا التربوية من كثرة الإصلاحات ، و لا أعتقد أن هناك دولة في العالم راكمت هذا الكم من الإصلاحات كما فعل المغرب ، مما يفرض علينا ضبط إيقاع الإصلاحات و التحكم في وتيرتها . فالدول العريقة في مجال التربية راكمت قرونا في بعض منظومتها ، و نحن ما زلنا نراهن على إصلاحات حكومية لا تراكم التجارب السابقة ، فإذا كان المغرب قد استنسخ تجربة المدارس العليا من فرنسا فعليه أن يمنحها نفس القيمة التي منحتها إياها فرنسا .
من المحزن أن نسمع خروج رؤية كبرى لإصلاح منظومة التربية و التكوين و بعد شهور تخرج وزارة التربية و التكوين مباراة توظيف مع مدرسين بدون تكوين ، هي قمة العبث في تدبير قطاع التعليم ، و مشكل سيكرس بعده مشاكل و سيزيد من صعوبة الإصلاح . فإلى متى سيحترم مسؤولو بلادنا قطاع التعليم و الكف عن سياسة تخريب عقول أبناءنا الممنهجة ـ؟ فإذا فسدت العقول فلا مجال لإصلاحها .
إن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل أزمة المدارس العليا للأساتذة وعلاقتها بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين هو: هل نقل مهمة التكوين من المدارس العليا للمراكز الجهوية مبني على استراتيجة جديدة في التكوين؟ أم هو نقل على مستوى البناية ؟ و اذا كان هذا النقل مبني فعلا على استراتيجة ، فلماذا لم يتم تفعيلها داخل المدارس العليا دون الحاجة لمؤسسة جديدة؟ .
إن أي باحث في تاريخ المدارس العليا للأساتذة يجد أن هذه المؤسسة راكمت منذ تأسيسها تجربة كبيرة في مجال تكوين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي ، لكن بصدور مرسوم إلحاق المدارس العليا للأساتذة إلى الجامعات سنة 2009 فقدت هذه المدارس جوهر عملها و أصبحت مؤسسة فارغة بدون هوية . كما ساهمت مجموعة من العوامل بعد قانون نقل المدارس العليا للجامعات إلى تعميق أزمة هذه المؤسسة ، و لعل أبرزها إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين سنة 2011 ، فأي تاريخ للمدارس العليا للأساتذة في زمن التأسيس و في ظل إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين؟
المدارس العليا للأساتذة هي مؤسسة استنسخها المغرب من فرنسا ، و تطلع بمهمة تكوين أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي ، فهذه المؤسسة لها مكانتها البحثية و لعل أكبر دليل على مكانتها داخل الحقل التقافي في فرنسا هو مساهمتها في إغناء المشهد التقافي بأبرز المفكرين ، نذكر منهم باستور، البيولوجي الشهير، برغسون ولويس ألتوسير وديزانتي وألان وديريدا وبورديو وليفي ستراوس وسارتر وسيمون فايل.. وهم فلاسفة وازنون في الساحة الفكرية والفلسفية العالمية، و يكفي أن نذكر أن 12 عشر من خريجها حصلوا على جائزة نوبل.
هوية المدارس العليا للأساتذة بموجب قانون إحداثها هو تكوين أطر تربوية للتدريس و كذلك المساهمة في التكوين المستمر ، إضافة إلى مهمة البحث التربوي و تطوير منظومة التربية و التكوين ، و أي خروج عن هذا الجوهر هو ضرب في الهوية التربوية التي ميزت المدارس العليا للأساتذة طوال عقود من العمل على تكوين أساتذة ، و ضرب في سنوات الخبرة التي راكمتها هذه المدارس على مستوى التكوين المعرفي و البيداغوجي في مجال التدريس. و لعل ما يؤسف حقا هو تخلي وزارة التربية الوطنية عن هذه المؤسسة باللجوء إلى التوظيف بالتعاقد و بدون تكوين في قطاع حيوي مثل قطاع التعليم و التعاقد مع مجازين بدون تكوين ، علما أن هناك فئة تكونت في المدارس العليا للأساتذة في إطار المشروع الحكومي لتكوين 10000 إطار تربوي ، ما زالوا في جحيم البطالة ، و لعل ما زاد عمق المشكل أكثر هو هؤلاء الأطر التربوية التي تلقت أفضل التكوينات لتجد نفسها في البطالة و تجد الدولة في مفارقة عجيبة تستعين بأطر غير مكونة للتدريس ، مما يجعل المتتبع لسياسة تدبير الشأن التعليمي ببلادنا يدرك جيدا غياب أي نية حقيقة للإصلاح .
علاقة المدارس العليا للأساتذة بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين من بين الملفات الشائكة في مجال تكوين المدرسين في المغرب ، في ظل تضارب في الاختصاصات بين المؤسستين ، فنقل المدارس العليا للأساتذة للجامعات بموجب الظهير الشريف رقم 1.09.100 الصادر 6 رجب 1430(29 يوليوز 2009) يؤكد في المادة الخامسة، على استمرار المدارس العليا للأساتذة في أداء مهام التكوين الأساسي و المستمر تلبية لحاجيات قطاع التربية و التعليم ، غير أن الطابع التعاقدي لهذا النقل يجعل من وزارة التربية الوطنية هي من عليها أن تبادر في طلب حاجيتها من المدارس العليا في ظل وجود خصاص كبير على مستوى الموارد البشرية في أغلب المؤسسات التعليمية.
إن إلحاق المدارس العليا للأساتذة بالجامعات لا يعني إسقاط مهام هذه المؤسسة ، فإذا كانت الجامعات تنتج المعارف ، فإن المدارس العليا للأساتذة تشتغل على ديداكتيك المواد ، أي تحويل المعارف النظرية إلى معارف قابلة للتدريس ، عبر ما يسمى في مجال التدريس " بالنقل الديداكتيكي" ، فمنذ سنة 2010 لم تطلع بمهمتها ، إلى أن جاء البرنامج الحكومي لتكوين 10000 إطار تربوي ، الذي أعاد الاعتبار لهذه المؤسسة ، خصوصا و أن الشهادة المسلمة من طرف المدارس العليا للأساتذة هي شهادة الأهلية لمهن التدريس ، فالمطلوب من وزارة التربية و التكوين و وزارة التعليم العالي أن تبلورا رؤية مشتركة تحتفظ المدارس العليا للأساتذة بمقتضاها بخصوصيتها في إطار التشارك كما نص على ذلك قانون نقل هذه المدارس للجامعات . الخصاص المهول في قطاع التربية و التكوين على صعيد مجموعة من التخصصات ، يفرض بشكل مستعجل عدم التفريط في القيمة المضافة التي تشكلها هذه المدارس العليا للأساتذة و الإبقاء على مهمة تكوين الأساتذة ضمن مهامها .
فشل التدبير في قطاع حيوي مثل التعليم الذي يعتبر ركيزة أساسية في تنمية أي مجتمع يتحمل مسؤوليته القائمين في البلاد عبر إسناد مهمة التدبير لغير المختصين، فطوال سنين عانت منظومتنا التربوية من كثرة الإصلاحات ، و لا أعتقد أن هناك دولة في العالم راكمت هذا الكم من الإصلاحات كما فعل المغرب ، مما يفرض علينا ضبط إيقاع الإصلاحات و التحكم في وتيرتها . فالدول العريقة في مجال التربية راكمت قرونا في بعض منظومتها ، و نحن ما زلنا نراهن على إصلاحات حكومية لا تراكم التجارب السابقة ، فإذا كان المغرب قد استنسخ تجربة المدارس العليا من فرنسا فعليه أن يمنحها نفس القيمة التي منحتها إياها فرنسا .
من المحزن أن نسمع خروج رؤية كبرى لإصلاح منظومة التربية و التكوين و بعد شهور تخرج وزارة التربية و التكوين مباراة توظيف مع مدرسين بدون تكوين ، هي قمة العبث في تدبير قطاع التعليم ، و مشكل سيكرس بعده مشاكل و سيزيد من صعوبة الإصلاح . فإلى متى سيحترم مسؤولو بلادنا قطاع التعليم و الكف عن سياسة تخريب عقول أبناءنا الممنهجة ـ؟ فإذا فسدت العقول فلا مجال لإصلاحها .
إن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل أزمة المدارس العليا للأساتذة وعلاقتها بالمراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين هو: هل نقل مهمة التكوين من المدارس العليا للمراكز الجهوية مبني على استراتيجة جديدة في التكوين؟ أم هو نقل على مستوى البناية ؟ و اذا كان هذا النقل مبني فعلا على استراتيجة ، فلماذا لم يتم تفعيلها داخل المدارس العليا دون الحاجة لمؤسسة جديدة؟ .