الجودة في التربية والتعليم : الحل السهل الممتنع

بقلم عدنان بويحيى خريج سلك الإدارة التربوية ، حارس عام للخارجية - تطوان 
            مما لا شك فيه أن إصلاح منظومة التربية و التكوين أضحى من القضايا الرئيسية التي تؤرق بال الفاعلين الغيورين على قطاع التعليم في شتى أنحاء المعمور إيمانا منهم بأن تكوين الرأسمال البشري يعد الدعامة الأساسية لكل نهضة اقتصادية و اجتماعية و تنمية مجتمعية مستدامة. وقد ترجم هذا في تبني العديد من المقاربات الهوجاء و تجريب الكثير من الوصفات التي حالت دون علاج هذا القطاع الذي أضحى يقبع في غياهب المجهول، قصد الوصول به إلى أعلى المستويات وانعكاس ذلك على جودة التكوين والتأهيل للموارد البشرية لتمكينها من الاندماج في محيط عالمي عولمي يتميز بالسرعة والتنافسية في شتى المجالات و مواكبة التطورات التي  يشهدها العصر مع تنامي اقتصاديات المعرفة والتطور الكبير لتكنولوجية المعلومات.
           غير أن إصلاح التعليم يحتاج إلى نظرة شمولية تهم كافة الجوانب والمجالات، نظرة تتجاوز المقاربات التجزيئية و الحلول الترقيعية و تتعدى البعد الكمي. فالإصلاح يجب أن يكون شموليا مبنيا على النوعية و الجودة في مختلف مكونات المنظومة التربوية.  لهذا اختارت أغلب الدول الرائدة في مجال التعليم اعتماد نظام الجودة وإسقاط التسيير المقاولاتي في إصلاح منظوماتها التربوية، نظام أبان عن نجاعته و فعاليته في تحقيق النتائج المرجوة. فما هي إذن معايير الجودة في التعليم ؟ وما هي آليات تحقيق الجودة في إصلاح التعليم ؟
            فالجودة في المجال التربوي تشير إلى مجموعة من المعايير و الإجراءات تهدف إلى التحسين المستمر في المنتوج التعليمي، كما تشير إلى المواصفات و الخصائص المتوقعة في هذا المنتوج و في العمليات و الأنشطة التي تتحقق من خلالها تلك المواصفات مع توفر أدوات و أساليب متكاملة تساعد المؤسسات التعليمية على تحقيق نتائج مرضية .
           لقد ظهر المفهوم مع ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل ارتفاع وتيرة التنافس الاقتصادي العالمي و غزو الصناعة اليابانية للأسواق العالمية. فالجودة مفهوم مقاولاتي بالأساس، يرتبط بالإنتاجية و المردودية و انتقل إلى مجال التعليم على اعتبار أن المؤسسة التعليمية هي مؤسسة لإنتاج الكفاءات و الخبرات القادرة على الابتكار و الإبداع و اللذان بدونهما لا يمكن للمقاولات الصناعية أن تطور إنتاجها و تحسن من منتوجها.
          لقد رافق التفكير في إصلاح التعليم عبر إرساء ألية الجودة اقتراح مجموعة من الدعامات التي من شأنها تحسين وضع المنظومة التربوية و تجاوز مختلف العوائق التي جعلت مستوى التعليم في مغربنا متدنيا بل متخلفا. لذا فإن أي إصلاح من وجهة نظري الخاصة يجب أن ينطلق من المداخل التالية :
  تحسين العرض التربوي في القرى خاصة : فعملا بمبدأ تكافؤ الفرص يجب توسيع العرض التربوي و تجويده في القرى كما في المدن لإتاحة الفرصة للجميع من أجل إتمام الدراسة في أحسن الظروف ، و هنا وجب الاهتمام أكثر بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية خاصة السكنيات الوظيفية والطرق وتزويد المؤسسات بالماء والكهرباء و مدها بكل الوسائل و الإمكانيات لتؤدي الأدوار المنوطة بها و تقدم خدمات ذات جودة معتبرة.
  العناية بالموارد البشرية: اعتبارا للدور الطلائعي للمورد البشري في الارتقاء بمستوى المنظومة التربوية فلابد من الاهتمام بالأطر العاملة بالقطاع سواء على المستوى المادي و ظروف العمل أو على مستوى التكوين الأساسي و المستمر اقتداء بمقولة الاستثمار في البشر عوض الحجر وجب إعطاء الأهمية البالغة لأطر التربية والتعليم.
  الحكامة و اللامركزية على مستوى التدبير و التسيير: وذلك عبر إرساء آليات الحكامة الجيدة و ترسيخ سياسة اللامركزية و اللاتركيز و التي ترمي إلى تقاسم المهام و اعتماد سياسة القرب و تكييف التوجيهات و السياسات التربوية مع خصوصيات كل منطقة.
تجنب الاكتظاظ بالعمل على تخفيف الفصول الدراسية إلى 20 تلميذ في كل فصل دراسي.
اعتماد طرق بيداغوجية حديثة تقوم بالأساس على مبدأ مساعدة المتعلم على التعلم و اقتصار دور المدرس على التنظيم و المساعدة بعيدا عن الإلقاء و الحشو. فالمتعلم يجب أن يتمتع باستقلالية واسعة تمكنه من اختيار الوحدات الدراسية التي يرغب بها و بناء المنهاج الدراسي الخاص به و المساهمة في عملية التخطيط.
تدقيق شروط ولوج المهنة.
استقلالية المؤسسات التعليمية و تقييم أدائها:  بحيث يجب أن تمنح لها كافة الصلاحيات الإدارية و المالية، و يعهد إليها تكييف المناهج التعليمية مع حاجيات متعلميها و خصوصيات منطقتهم. في نفس الوقت إخضاعها لنظام تقييم أدائها بشكل دوري و مستمر من خلال  تعبئة استمارات عبر شبكة الإنترنت من طرف التلاميذ  وأولياء أمورهم للتعبير عن مدى رضاهم عن جودة الخدمات التي يستفيدون منها في مؤسستهم.
        فالجودة إذن فلسفة و مقاربة في تدبير و قيادة وحدات التربية و أنظمتها، تنبني على مجموعة من القيم و المبادئ التي توظف المقاربة النسقية و الأدوات الإحصائية بهدف التحسين المستمر لقدرة منظومة معينة على الاستجابة لحاجات المستفيدين منها الآنية و المستقبلية؛ و لعل التجارب الدولية في مجال التعليم كفنلندا وبريطانيا أثبتت بالملموس نجاح هذه المقاربة التي يجب الاستفادة منها قبل التفكير في أي مشروع لإصلاح التعليم .
google-playkhamsatmostaqltradent