أبعاد وسلبيات الساعة الجديدة في المغرب
من اعداد: ذ حسن رشيدي
أستاذ السلك الثاني
باحث بسلك الدكتوراه
لا شك أن المغاربة في السنوات الأخيرة قد ضاقوا ذرعا بزيادة ساعة في
مواقيتهم كلما اقترب الصيف، وتغييرها مع هبوب رياح الشتاء. إلا أن السخط العارم قد
وحدهم حول هذا الموضوع، الذي يرجع عليهم بالسلب والاضطراب وعلى معاشهم اليومي؛ فبين
أفراد وجماعات تجدهم مكرهين على ضبط عقارب ساعاتهم وفق جداول العمل، فثَم آخرون
يكتفون بالتوقيت العادي الذي دأبوا عليه؛ إلا أن الاضطراب الذهني حاصل فيهم، وما
أكثر الذين يَسألون عن الوقت، فيجيبهم هؤلاء بتوقيت غرينتش، ثم يستدركون الأمر
بزيادة ساعة لسائليهم. ولا تسل عن
الاضطراب الجلي الذي يتفشى إبان الأيام الأولى وغيرها من هذا التغيير زيادة
ونقصانا، بالقول: (جديدة ولا قديمة) ولو من باب المزحة...
وحينما تنفس المغاربة الصعداء، قُبيل بضعة
أيام من تغيير الساعة المشؤومة، فرحين بالعودة إلى التوقيت العادي "غرينتش"،
إذ بهم يفاجئون بالترسيم الفعلي -لها- مع سن قوانين تشريعية تُبقي على هذا التوقيت
طيلة شهور السنة.
ولا بد للقارئ الكريم وعامة الشعب المغربي أن
يعلموا خطورة هذه الساعة المشؤومة، بل وحيثيات ما خفي من آثارها السلبية على
حياتهم ومعاشهم، لا سيما في الزمن المدرسي على حساب أبنائهم، ومن ذلك:
-
أن عامة التلاميذ يستيقظون باكرا، في الظلمة
الحالكة ويواجهون البرد القارس، حتى يتمكنوا من دخول الحصص الأولى.
-
أن فئة عريضة من التلاميذ سيضطرون إلى الخروج
الباكر في العتمة، ويرجعون بعد آذان المغرب خائري القوة منهكين جراء التعب الجسدي
الذي لفّهم والضغط النفسي الذي لمّ بهم.
-
أن فئة كبيرة من أبناء الشعب الساكنين أعالي
الجبال أو الوهاد سيضطرون إلى الخروج الباكر قبل الفجر، مما يعرضهم للمخاطر التي
تحدق بهم: كالسرقة والتعرض للتحرش ومواجهة الكلاب الضالة ، حتى يصلوا إلى الحجرات
الدراسية.
-
أن أبناء القرى والمداشر سيسلكون السهل
والمنحدر، ويجابهون أخطار الطريق الغير المعبّدة والآمنة. وليتخيل المسؤول قبل
القارئ: هؤلاء المقهورين المغلوب على أمرهم، وهم يفتحون أعينهم في ظلمة حالكة، تحت
شموع تصارع عويل الريح، وجوع ينخر قواهم، وثياب رثة، قد لا تستر ولا تغني من دفئ،
فضلا عن رد الأمطار والثلوج التي تجابههم، أو ريحا قوية ذات زمهرير تعصف بهم في رحلة
طلب العلم.
وعلى الرغم من أن الوزارة المشرفة على قطاع
التعليم، قد غيرت جدولة الحصة الأولى من الزمن المدرسي -بذريعة التفكير فيهم- وعدم
خروجهم قبيل الفجر بساعة أو أقل منها إلى المدارس، إلا أنها وقعت في مشكل أكبر، وله
أثر ملموس على صحة التلاميذ، سواء في الجانب اليومي أو البعيد المدى، إن هي أبقت
على الساعة المشؤومة.
ونذكر من هذه المعيقات والمشاكل الجمة التي
ستواجه المتعلمين لا محالة:
-
تقليص المدة الزمنية الفاصلة بين الحصص
الصباحية والمسائية، من ساعتين إلى ساعة، حيث سيخرجون مع س12 زوالا، ليعودوا مع
الساعة س13 إلى فصول الدراسة.
-
لن يتمكن أغلبية التلاميذ من الذهاب إلى
بيوتهم لأخذ قسط من الراحة، وتغيير ملابسهم وأدواتهم المدرسية، نظرا لعدم متسع من
الوقت يكفي شؤونهم.
-
سيضطر كثير من التلاميذ القاطنين بالقرب من
مؤسساتهم، إلى التأخر عن الحصة المسائية الأولى نظرا لضيق الوقت، وقد تؤثر سلبا
على تحصيلهم، بسبب تغيير اللوازم الدراسية، التي سينسى الكثير منهم بعضها نظرا للضغط
الواقع عليه.
-
سيعاني الكثير من التلاميذ، من اضطرابات نظرا
لسوء التغذية التي ستعرف فوضى عارمة؛ بداية من الأكل المتسارع إلى حمل وجبة
الغذاء، والتي لن يجد أغلب التلاميذ طريقة تسخينها، أو فضاءات ملائمة لتناولها. مع
تفشي ظاهرة الباعة المتجولين الذين لا تهم "بعضهم" صحة المستهلك على
حساب الربح المادي، حيث ستكثر هذه المبيعات بالقرب من المؤسسات التعليمية، استغلالا
لظرفية التلميذ المغلوب على أمره.
-
ستتفشى بعض الأمراض أو التسممات الناتجة عن
قلة النظافة، والتي تنعدم وسائلها في بعض
الأقسام الداخلية والمطاعم المجاورة للمدارس، علاوة على انعدامها في المرافق
العامة التي "إن وجدت" ستكون مقتصرة على الماء وفقط، مع استثناءات قليلة
والتي لا يقدر التلميذ المغربي على تحمّل تكاليفها.
-
ستضيع أوقات الصلاة، التي تتطلب حيزا زمنيا
نظرا لشرط الطهارة والنظافة، مع انعدام الفضاء المكاني فضلا عن ضيق الحيز الزماني.
-
انعدام وقت للراحة بين الفترة الصباحية
والمسائية، نظرا لما يتطلبه وقت الخروج من الفصول مع تغيير اللوازم وفترة
الاستراحة والأمور البيولوجية الأخرى.
-
اضطرار شريحة كبيرة من التلاميذ إلى حمل جميع
ما تتطلبه المواد الدراسية لليوم الواحد، مما ستبرز مشاكل صحية لها أثر شديد على
المدى الطويل للناشئة، خصوصا في ما يتعلق بصحة العظام والتأثير البالغ على العمود
الفقري...
ومن المشاكل العامة التي يعاني منها السواد
الأعظم من المغاربة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
-
الاضطراب الفعلي في الساعة البيولوجية
المرتبطة أساسا مع جغرافية الاعتدال والتوسط لخط الاستواء، (والخروج عن هذه
الوسطية التي اختارها الله ولو من جانب زمني).
-
أن المغاربة مرتبطون بحركة الشمس شروقا
وغروبا، لا سيما في أداء مواقيت الصلاة التي يضبطون بها مواعيدهم ومشاغلهم، وما
أكثر الاضطراب الحاصل في هذا الباب.
-
أن ذريعة الاقتصاد في الطاقة التي يتستر بها بعض
المسؤولين، كذبة واهية؛ فعلى العكس من ذلك، فإنه يكثر الاستهلاك في الطاقة وبشكل
كبير إلى حد التبذير، وهو ما يؤثر سلبا على موارد الطاقة الوطنية على المدى
البعيد. ولا أدل على ذلك، وبمثال واحد يفقهه المغاربة: أنهم يستيقظون لصلاة الصبح
ويبقى أغلبهم مستيقظا نظرا لقرب موعد خروجهم للعمل أو تجهيز أبنائهم للمدرسة، مما
يضطرهم إلى استعمال الطاقة، بل إنهم ينهون شؤونهم اليومية. ولا يمنعهم من النوم
إلا صلاة العِشاء التي ينتظرون وقتها، بل وينتظرون عودة الأب أو غيره حتى يتسنى
لهم تناول وجبة العَشاء بشكل جماعي، زد على ذلك حديث السمّار والساهرين على كأس
الشاي.
-
حدوث تغيير في اقتصاديات أنظمة الغذاء: نظرا
لطول ساعات الاستيقاظ، مما يتطلب وجبة زائدة على المعتاد؛ بل إن شريحة كبيرة من
العاملين والطلبة قد يضطرون إلى الوجبات الخفيفة ريثما يعودون إلى البيت، فيجدون الأم
أو الزوجة قد أعدت ما لذ وطاب.
-
أن فئة عريضة لا تقدر على الخروج مع س15 أو
س16 نظرا لأشعة الشمس الحارقة، وتؤجل خروجها للتبضع أو التنزه إلى ما بعد صلاة
العصر، التي قد يعلوا آذانها مع س17؛ وما إن تلوي -هذه الفئة- عائدة إلى البيت بُعيد
أذان المغرب، أو يطول بها المقام في مجالستها أو شؤونها، حتى تجد نفسها وقد سُحب
منها بساط الوقت، مما يجعلها تعيش جو الرعب نظرا للهاجس الأمني، أو انعدام وسائل
النقل التي يكثر عليها الطلب، بل وترتفع تكلفتها ليلا في أغلب الأوقات...
ونظرا لما أوردناه من مشاكل يومية وضغوطات
نفسية وإكراهات مادية، والتي لا تعدو أن تكون نقطة في بحر ما يعانيه المغاربة وله ارتداد
بالغ وملموس على صحتهم وصحة الناشئة، فإننا نطالب ككتاب رأي وأقلام حرة، بالعودة
إلى التوقيت العادي للمملكة، نظرا للانعكاسات الخطيرة للساعة المشؤومة على صحة
المواطنين واقتصادهم.
بل ونطالب المنتخبين وبقوة إلى تحمل كافة
المسؤولية وأخلاقياتها، إلى سن قوانين تشريعية وسلك سبل سياسية تعود بالنفع على
الوطن والمواطن، بدل التخبط في مستنقع آسن وبرك موحلة، لا ينتفع بها المواطن
والأجيال القادمة. اللهم الرضوخ إلى أوامر عليا والإجماع على تنفيذها سمعا وطاعة؛
وعلى رأسها إملاءات البنك الدولي، التي تخطط لنهب ثروات الأوطان، وتأتي على
مكتسبات الشعوب.