المدرسة ورهان المواطنة للاستاذ فريد امدى
فريد أمدى ذ: مادة الفلسفة
إلى صديقي وأستاذي علي الصديق الذي ساهم في إخراج هذا الإسهام إلى حيز الوجود
إلى صديقي وأستاذي علي الصديق الذي ساهم في إخراج هذا الإسهام إلى حيز الوجود
لقد أضحى بناء المواطن رهانا مركزيا
للمنظومات التربوية بعد أن استحوذت عليه مؤسسات الأسرة والإعلام، حيث أصبح اليوم يعول على المدرسة بوصفها مؤسسة تربوية
أسندت إليها رزمة من المهام والوظائف التي مبناها أساسا على ربط التعليم بمتطلبات
الحياة وحاجات المجتمع والحفاظ على ثقافة هذا الأخير وتطويره علميا في اتجاه التنمية
البشرية، على اعتبار أن الإنسان هو أداة التنمية وغايتها. وعلى غرار هذا الهاجس
التطويري والتنموي للمدرسة، تناضل هذه الأخيرة
في جبهات أخرى قيمية وأخلاقية، إذ تعمل
على ترسيخ مجموعة من القيم الخلقية والوطنية بتعريف المتعلم بتراثه وأمجاد بلاده حتى ينشأ
محبا لوطنه مساهما في خدمته وتقدمه متمسكا بمقدساته مما يجعل البعد المواطني ركنا
أساسيا من أركان النظام التربوي .
فما هي أهم
التوجهات التي تحكم النظام التعليمي المغربي فيما يخص ترسيخ قيم المواطنة؟ بمعنى آخر أين تتجلى أهمية البعد المواطني في
نظامنا التربوي ؟ وإلى أي حد يساهم نظامنا
التربوي في ترسيخ قيم المواطنة ؟
إن المتصفح لمتون المرجعيات و الأطر الموجهة
للنظام التربوي المغربي الأساسية خاصة الميثاق الوطني للتربية والتكوين
والمشروع التربوي المتمثل في رؤية 15 _30 الإستراتيجية سيستبين بجلاء
الأهمية البالغة المعطاة لبعد المواطنة في مواثيق نظامنا التربوي حيث جعل
الميثاق حرص التعليم بالمغرب على قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية
والثقافية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان من ابرز مرتكزاته الثابثة[1] كما جعل غاية
التعليم المركزية في تكريس حب الوطن
وتعزيز الرغبة في خدمته بتنمية الوعي
بالواجبات والحقوق وتنمية القدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والتربية
على المواطنة وممارسة الديمقراطية[2]. وبهذا تواجه
المدرسة المغربية اليوم رهانات وتحديات مختلفة في مجال تحقيق
ترسيخ تلك القيم بالموازاة مع الوعي المتنامي بمكانة المدرسة ودورها في نشر قيم
المواطنة المسئولة والمنفتحة انسجاما مع الوثائق والتقارير الرسمية التي بينا أنها
تدعو بالصريح إلى ضرورة انخراط المنظومة التربوية بمختلف مستوياتها في ترسيخ مبادئ
السلوك الوطني والمدني للأجيال الصاعدة، وهذا الجانب من ما يمكن كذلك لمسه أو المراهنة عليه بيداغوجيا وديداكتيكيا بحيث لا تبقى تلك المقاصد
حبيسة التوجيهات الرسمية بل لها مداخل تعليمية وتصرف
ديداكتيكيا من خلال الكتب المدرسية التي عليها أن تلح على تكوين المتعلم متمسك
بهويته وفي نفس الوقت منفتح على العالم والحضارات الأخرى والإنسانية جمعاء. علاوة على الممارسات والتفاعلات الفصلية بين الأطر
التربوية والمتعلمين داخل القسم التي تربي
المتعلم على أن يكون ميالا إلى التعاون والتعايش والتسامح والتطلع إلى التغيير . وهي عينها
المواصفات الخلقية والتربوية الأساسية في الميثاق
الذي هو بمثابة مشروع متكامل وشامل لإصلاح التعليم بالمغرب.
من المسلم به و المستبده أنه لا يمكن الحديث عن مواطنة
دون تعليم لأن المواطن هو ذلك الفرد المسئول المنتمي إلى كيان اجتماعي وسياسي يقوم
على منطق الحقوق والواجبات في سبيل تحقيق الإرادة والمصلحة الجماعية المشتركة، ولا
يمكن إنتاج الفرد المستدخل لهذه المسؤوليات والواعي بهذا الانتماء إلا بالممارسة
التربوية والتنشئة الاجتماعية التي تنقل تراث وثقافة المجتمع إلى الفرد وتمكينه من
الاندماج والمشاركة في حياة المجتمع
وتحويله من كائن بيولوجيي إلى كائن اجتماعي
ومواطن له أدواره ومكانته، يحمل قيم ومعايير المجتمع[3],وتراثه الفكري
والسلوكي والتاريخي وترسيخ الشعور لديه بالانتماء،
لأن الإنسان بحاجة إلى انتماء محدد يشعره بالهوية ويحتاج إلى مجموعة من المعايير
والقيم والمبادئ التي تخضع لها الجماعة وتنتظم حولها حياتها ، وبالتالي فالعملية
التعليمية بهذا المعنى ذات هدف أساسي هي مهمة التحصين الفكري والثقافي والقيمي
لهوية المتعلمين من الانحراف ،والتشدد والانسلاخ عن الهوية الوطنية ،وتحقيق نوع من
الأمن الثقافي والقيمي من خلال:
- تمرير مجموعة من القيم عبر مجموعة من المواد مثل التاريخ والتربية الإسلامية والتربية على المواطنة والفلسفة وغيرها ....
- تفعيل أدوار الحياة المدرسية والأنشطة اللاصفية والأنشطة الثقافية والرياضية ....لتثبيت السلوكات الإيجابية .والتربية على العمل الجماعي والمبادرة والمسؤولية ترسيخ الممارس الديمقراطية في التفاعلات الصفية وفي إدارة الفصل والتعلمات
من النافل القول أن المشرع التربوي- نظريا - مهتجس ومنشغل
مبدئيا بجعل المدرسة رافعة ومصنعا لتخريج
إنسان ذو هوية تربوية مستبطن للقيم الأخلاقية والوطنية عامل على ترجمتها وتجسيدها
على مستوى الفعل الاجتماعي، إلا أن هذا الرهان
لازالت تعترضه عقبات تنظيمية تدبيرية ومادية تضع تنزيل الأوراش التربوية الحاملة
لهذه الأبعاد أمام تحدي التفعيل لتبقى مطروحة على جدول أعمال تاريخنا التربوي، مما
يستدعي ضرورة التعبئة المجتمعية الشاملة واعتماد مقاربة تشاركية تعطي أهمية لجميع
الفاعلين التربويين في اقتراح وتخطيط وتنفيذ المشاريع التربوية وتقييمها واعتماد
الوسائل والمقاربات البيداغوجية الملائمة، وتهيئة البنيات التربوية بما يتلاءم و الاحتياجات
والطلب المدرسي،وتكريس ممارسة ديمقراطية في تسيير الشأن التربوي لأنه لا يعقل
الحديث عن ترسيخ المواطنة والديمقراطية في سلوك المتعلم دون ممارسة هذه القيم في
تسيير الشأن العام و الشأن التربوي بصفة خاصة.
المراجع :
الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، الوثيقة 3 [1]
المرجع نفسه – الغايات [2]
[3] المدرسة ودورها في التربية على المواطنة
ومبادئ السلوك المدني ، حوار مع الدكتور الدريج ، مجلة المجلس الأعلى للتربة
والتكوين دفاتر التربية والتكين ، العدد
5 11 شتنبر 56