أهمية العقد الديداكتيكي في العملية التعلمية انطلاقا من القران الكريم .


أهمية العقد الديداكتيكي في العملية التعلمية انطلاقا من القران الكريم 

 من انجاز عبد الحق التويول.

مع حلول الدخول المدرسي كل سنة يكتفي العديد من الأساتذة في حصصهم التي تجمعهم بتلامذتهم لأول مرة بالتعرّف على أسمائهم أو الدردشة معهم حول بعض الأمور الهامشية في حين يبادر عدد اخر من الأساتذة الى استغلال هذه الحصص واستثمارها في إبرام عقد ديداكتيكي مع جماعة القسم يقدمون فيه نظرة عن المادة المدرسة والطرق التي ستوظف لتبليغ المادة وأساليب التقويم التي تتبع لقياس مستويات التلاميذ المعرفية والمهارية والوجدانية بالإضافة الى وضع الأسس اللازمة لبناء علاقة متينة قوامها الحوار والتفاهم وما إلى ذلك وكل هذا ايمانا منهم بقيمة ومكانة التعاقد وحرصا منهم على الانطلاق بخطة واضحة  في عملهم تقربهم من الجودة والاتقان وتبعدهم عن العشوائية والارتجال، هذا العقد الذي تحدث عنه علماء التربية قديما وحديثا وأسالوا فيه المداد موضحين أركانه و قيمته ووظيفته في العملية التعليمية التعلمية وقبل كل ذلك معرفين إياه ومبينين المقصود به بتعاريف متعددة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تعريفا جاء في معجم علوم التربية مفاده أن العقد الديداكتيكي هو: “إجراء بيداغوجي يقوم على اتفاق تعاقدي بين طرفين هما المدرس والتلميذ حول متطلبات المتعلم وأهداف التعليم وواجبات كل طرف وحقوقه، وأهداف ومرامي عملية التعليم والتكوين .(معجم علوم التربية، جماعة من المؤلفين، ص:255، بتصرف)، إن العقد بهذا المعنى الذي يفيد الاتفاق والذي يجب أن يكون بين طرفين في موضوع ما ولغاية ما إذا بحثنا عن جذوره في القرآن الكريم لا شك أننا سنجد له أصلا أصيلا وجذرا متجذرا ضاربا في القدم قبل أي عالم أو مُنظّر في علوم التربية والديداكتيك والبيداغوجيا، ولهذا فان محاولة بسيطة منا ونحن نقلب آيات القران الكريم ونتمعن في سور الذكر الحكيم ستُجلّي لنا بوضوح حقيقة ما نقول ولذلك إذا أخذنا على سبيل المثال سورة الكهف فإننا سنجدها قد خصصت للعقد الديداكتيكي حيزا لا يستهان به على شكل آيات مختصرات مفيدات وضعت الأصبع مباشرة على أطراف العقد وموضوعه وشروطه وآثار الإخلال بها وانعكاسات ذلك على اكتساب المعارف وتحصيلها أو تفويتها وتضييعها قال الله تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (الكهف:65-82).

لا شك أن هذه الآيات المباركات قد أخبرتنا قبل أربعة عشر قرنا بأول عقد ديداكيتيكي أُبرم -بعشرات القرون الأخرى قبل بعثة محمد – بين سيدنا موسى والخضر عليهما السلام اللذين شكلا طرفا العقد؛ فالأول سيدنا موسى  بصفته المتعلم المتلهف لطلب العلم والمعرفة والثاني الخضر  بصفته المعلم الحكيم والناصح الأمين الذي صرح ببنود العقد بمجرد ما عبر سيدنا موسى عن رغبته في التعلم  فقال عز وجل على لسانه فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (الكهف: 70) فلم يكن لهذا المعلم إلا شرط واحد لحصول التعليمات وترسخها وهي ضرورة التريث وعدم التسرع في طرح الأسئلة قبل أوانها تفاديا لما من شأنه أن يتسبب في بعثرة الأفكار وتشتيتها وبالتالي تفويت المعارف وتضييعها ، وهو الشرط الذي وافق عليه سيدنا موسى  دون تردد: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا(الكهف: 69)، فأخد  عهدا على نفسه بالصبر والطاعة وعدم التكلم رغبة منه في  تحصيل المعرفة والتعلم، وهنا لا بد أن نلتقط إشارة دقيقة تكون سببا في إنجاح أي تعاقد بين الأستاذ وتلامذة فصله وهي ضرورة إشراكهم في التعاقد وإعطائهم حرية الاختيار  وجعلهم يحسون بقيمة المسؤولية لا الاكتفاء بسرد البنود عليهم سردا وفرضها عليهم فرضا فإن هذا قد لا يجدي مهما كان التعاقد .

غير أن سيدنا موسى لم يستطع أن يصمد  في رحلته التعلمية لجسامة ما رأى بعينيه من تصرفات لم يحط بها خبرا ولم يستوعبها عقله (خرق السفينة، قتل الغلام، بناء الجدار) فاعتبرها منكرات وجب دفعها واستفسار المعلم عن حقيقتها دون تردد ناسيا بذلك ما قطع على نفسه من عهد التحلي بالصبر وعدم التسرع، فكان ذلك مؤذنا بخرق التعاقد نظرا للإخلال بالبند الرئيس فيه. الشيء الذي دفع المعلم “الرجل الصالح” الى إيقاف الرحلة التعلمية بعد إمهاله  لسيدنا موسى ثلاث مرات لتدارك الموقف بناء على قانون العقد نفسه قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا  (الكهف: 78).

فتوقفت الرحلة ولم يتعلم سيدنا موسى من معلمه إلا الشيء القليل. ولذلك عندما نزل هذا المقطع من السورة قال رسول الله : «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى لَوْ صَبَرَ لَرَأَى مِنْ صَاحِبِهِ الْعَجَبَ» (سنن ابي داوود).

ومما سبق تتبين لنا بوضوح قيمة العقد في كل عملية تعليمية تعلمية ومدى المكانة التي حظي بها بين الأنبياء المؤيدين بالوحي والتوجيهات الإلهية فكيف بالأستاذ العادي المؤيد فقط ببعض التوجيهات التربوية والمذكرات الوزارية وفي نفس الوقت يهمل التعاقد ولا يعطيه أدنى قيمة، وهنا نتساءل:

إذا كان الإخلال ببند واحد في التعاقد قد يتسبب في ضياع التعلمات وتوقف العملية برمتها تماما كما حصل بين الخضر وموسى عليهما السلام  فكيف بمن لا يتعاقد مع متعلميه أصلا.

عبد الحق التويول
google-playkhamsatmostaqltradent