يستند التعلم إلى أسس ومبادئ علمية يجدر بكل مدرس ومتعلم أن يفقهها، ولقد حددت جمعية علم النفس الأمريكية المشار إليها اختصارا ب(APA) عشرين مبدأ من مبادئ التعلم الأساسية فِقْهُهَا يساعد المدرس والمتعلم على حد سواء على تجويد أدائهما. وسعيا منا إلى تعميم الفائدة فضلنا أن نعرض هذه المبادئ كما تضمنها تقرير صادر عن هذه الجمعية ومنشور بموقعها الرسمي(WWW.APA.ORG) تحت عنوان: (Top 20 principles from Psychology for PreK-12 teaching and learning) وذلك بشيء من الايجاز الذي نرجو ألا يكون مخلا.
- المبدأ الأول:
التصور الذي كونه المتعلم عن الذكاء والقدرة باعتبارهما فطريين وغير قابلين للنمو والتطور عبر الممارسة يؤثر على تعلمه. فالمتعلم الذي يحمل معه هذا التصور يؤمن بأنه مدعو دوما لإثبات قدرته والبرهنة على ذكائه ومن ثم يحجم عن المشاركة واقتحام المهمات الصعبة خوفا من الفشل؛ لأنه يعتقد أن فشله في إنجاز المهمة دليل على تدني مستوى ذكائه، وعدم قدرته. ولذلك ينزعج من أي تقويم سلبي لأدائه، بخلاف الذي يؤمن بأن الذكاء والقدرة قابلان للاكتساب، فغالبا ما يهتم بالتعلم، ويقتحم المهام الصعبة بجرأة وشجاعة، ويرى فيها فرصة سانحة لاختبار قدراته وتطويرها في الآن نفسه. وهكذا يستطيع المدرس إقناع المتعلم بأن فشله في إنجاز مهمة ما ليس راجعا إلى نقص ذكائه بقدر ما هو راجع إلى عدم كفاية الجهد المبذول من لدنه، أو توظيفه استراتيجيات تعلم غير ملائمة، كما ينبغي على المدرس أن يتجنب مدح الذكاء أثناء تقييمه لأداء متعلميه، لأن من شأن الثناء على الذكاء (كأن يقول مثلا لأحدهم: أنت ذكي أو عبقري إزاء أداء مهام لا تحتاج في الواقع إلى حلول عبقرية) أن يعزز ربط المتعلم للأداء بالذكاء، لا بالجهد المبذول.
- المبدأ الثاني:
مكتسبات المتعلم القبلية تؤثر على تعلمه: يأتي المتعلم إلى الفصل الدراسي وفي جعبته الكثير من المعارف والمهارات التي اكتسبها من خلال تجاربه اليومية وتفاعله مع محيطه المدرسي والاجتماعي، وهذه المعارف والخبرات القبلية تؤثر على عملية ادماج المعارف الجديدة، كما أن فيها الغث والسمين، والصحيح والسقيم. ولما كان ذلك كذلك وجب على المدرس أن يتعرف على نوعية مكتسبات المتعلم القبلية من خلال إجراء تقويمات تشخيصية للتعرف على المكتسبات التي يمكن البناء عليها والمكتسبات التي تحتاج إلى تغيير أو تعديل.
- المبدأ الثالث:
نمو التلميذ المعرفي وتعلمه لا تحدهما مراحل النمو العامة كما وصفتها النظرية البنائية. بل أثبتت الأبحاث الجديدة حول النمو المعرفي أن الرضع لديهم كفايات فطرية في مجالات مختلفة؛ فعلى سبيل المثال يستطيع هذا الرضيع إبداء معرفة بالمبادئ المتعلقة بالعالم المادي من حوله. وفي الجملة فإن المتعلم مؤهل للتفكير والتصرف في مستوياتهما العليا كلما كان لديه استعداد في المجال المعرفي موضوع التفكير أو التصرف، وكان لديه خبرة أو معرفة سابقة في هذا المجال. أو احتكاك بمن لديهم خبرة به في سياق اجتماعي وثقافي دال.
- المبدأ الرابع:
التعلم يحدث داخل سياق معين، ونقله من سياق إلى آخر ليس عملية سهلة ولا عفوية، وإنما تتطلب تدخل المدرس لتسهيل عملية النقل، ولاسيما إذا كان السياق المراد نقل التعلمات إليه يختلف في جوانب متعددة عن سياق اكتساب هذه التعلمات. كما أن النقل الجيد دليل على عمق التعلمات وجودتها ومرونتها.
- المبدأ الخامس:
اكتساب معارف ومهارات تدوم لفترة طويلة يتوقف بشكل كبير على الممارسة: فمن المعلوم أن الذاكرة ثلاثة أنواع: ذاكرة قصيرة المدى، وذاكرة متوسطة المدى، وذاكرة بعيدة المدى. ولا شك في أن المعارف التي تخزن في الذاكرة الأخيرة هي المعارف التي تدوم طويلا، ولكي تنتقل المعارف من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة بعيدة المدى لابد وأن تمر بمجموعة من العمليات، وتعد الممارسة المكثفة للمعرفة في سياقات مختلفة إحدى آليات تثبيت المعارف والمهارات.
- المبدأ السادس:
التغذية الراجعة الواضحة والشارحة والفورية عامل أساس هام بالنسبة للتعلم: ذلك أن تغذية راجعة من قبيل: "عمل جيد" أو "ممتاز" ليست واضحة ولا شارحة ولا يمكنها أن تحسن أداء المتعلم بالشكل المطلوب. وإنما التغذية الراجعة الفعالة هي تلك التي تقدم للمتعلم معلومات كافية وواضحة عن مستوى أدائه بالقياس إلى أهداف التعلم، وما ينبغي عليه القيام به مستقبلا للوصول إلى المستوى المنشود.
- المبدأ السابع:
الضبط الذاتي يساعد المتعلم على تجويد تعلمه: مهارات الضبط الذاتي التي تتضمن لزوما: الانتباه، والتنظيم، والمراقبة الذاتية، والتخطيط، واستراتيجيات الذاكرة، يمكنها تسهيل عملية التحكم في المواد المتعلَّمة. وهي مهارات قابلة للتعليم المباشر أو غير المباشر ( بنية الفصل الدراسي ونظامه، القدوة...)
- المبدأ الثامن:
تعزيز قدرة المتعلم على الإبداع: فالقدرة على الابداع هي القدرة على توليد أفكار جديدة ومفيدة، وقد أصبحت هذه القدرة ضرورية في عالم متغير تطبعه المنافسة واقتصاديات المعرفة. فأن يكون المتعلم قادرا على تعريف المشكلة وابتكار حلول لها وتقييم مدى فعالية الاستراتيجيات الموظفة في الحل، والقدرة على إقناع الآخرين بالحلول الممكنة المتوصل إليها، فذلك ما يتطلبه النجاح الدراسي وسوق الشغل، وجودة الحياة بصفة عامة. وبخلاف النظرة التقليدية للإبداع باعتباره موهبة فالأبحاث اليوم تجمع على أن القدرة على الإبداع في جميع المجالات قابلة للتعلم، وما علينا إلا أن نبتكر مقاربات تربوية لا تخلو هي الأخرى من الإبداع لنصل بتلاميذنا إلى هذا المستوى.
- المبدأ التاسع:
الحوافز الذاتية أبلغ أثرا على التعلم من الحوافز الخارجية: تشير الحوافز الذاتية إلى تلك العوامل الذاتية التي تدفع المتعلم نحو التعلم، وتجعله يقبل عليه بنهم، وينجز المهام المطلوب إنجازها بحماس لأنه يجد متعة في ذلك، بخلاف من يقوم بذلك لأنه ينتظر مكافأة من جهة ما كالثناء مثلا أو الحصول على درجات عليا، أو تفادي العقاب إلى غير ذلك من العوامل الخارجية. فبمجرد ما تغيب هذه العوامل الخارجية يضمر التعلم أو ينطفئ.
- المبدأ العاشر:
المتعلم الذي يكون هدفه من حل المشكلات وإنجاز المهام التي تطرح عليه تحديا هو الوصول إلى التحكم في الكفاية يقف عند هذه المشكلات طويلا ولا يفارقها إلى أن يجد لها حلا بخلاف التلميذ الذي يكون همه هو إنجاز المهمة لا تطوير الكفاية، فقليلا ما يصمد أمام هذه التحديات، ولذلك يستحسن أن يمتدح المدرس الجهد الحقيقي الذي يبذله المتعلم لا النتيجة المتوصل إليها، وأن يجعل هذا الأخير ينظر إلى الخطأ باعتباره فرصة للتعلم لا علامة على الغباء، أو قلة الفهم.
- المبدأ الحادي عشر:
انتظارات المدرس من تلاميذه تؤثر على فرص تعلمهم، وعلى حافزيتهم ومستوى أدائهم: إذ أن أغلب المدرسين لديهم توقعات حول مستوى قدرات تلاميذهم، وحدود إمكاناتهم. وهذه التوقعات هي التي تتحكم في طبيعة الأنشطة الموجهة إلى هؤلاء، وسقف النتائج أو الأهداف المراد بلوغها. فإذا كان المدرس يتوقع من تلاميذه أداء أقل مما هم عليه في الواقع فإنهم عادة ما يستجيبون لذلك وتكون النتيجة أداء أقل كما توقع المدرس، كما أن توقعه هذا يؤثر أيضا على مستوى أدائه، ومستوى التعلمات التي يبنيها معهم، والعكس صحيح.
- المبدأ الثاني عشر:
تحديد أهداف نوعية، قصيرة المدى، وفي متناول المتعلمين يساهم في تحفيز المتعلمين وتجويد أدائهم: ذلك أن هدفا من هذا القبيل يسهل تقييم درجة التقدم نحو تحقيقه، كما أنه يحفز المتعلم لأنه يطرح عليه تحديا بمقدوره التعامل معه وإيجاد حل للمشكلة التي يطرحها عليه.
- المبدأ الثالث عشر:
التعلم نشاط اجتماعي بالأساس، ذلك أن المتعلم عضو ضمن الأسرة، ومجموعة الأقران، وجماعة الفصل الدراسي، وينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة... وفي الجملة يعيش ضمن مجتمع تحكمه ثقافة ما بالمعنى الواسع تتكون من: اللغة، والمعتقدات، والقيم، والأعراف ومعايير السلوك. ولا شك أن فهم السياق الاجتماعي الذي يحدث فيه التعلم يساعد المدرس على توظيف هذا السياق خدمة لأهداف التعلم. فعلى سبيل المثال إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه المتعلم مجتمعا تكافليا، فإن العمل التعاوني داخل الفصل الدراسي يكون أكثر نفعا. كما أن معرفة السياق الاجتماعي والثقافي تسهل عملية تكييف مواضيع التعلم مع هذا السياق، فيصير التعلم دالا بالنسبة للمتعلم لأنه مرتبط بحياته.
- المبدأ الرابع عشر:
العلاقات البينية والتواصل عامل أساسي في العملية التعليمية التعلمية وفي النمو الوجداني للمتعلم: فالفصل الدراسي موضوع أساسا للتفاعل والتواصل بين المدرس وتلاميذه من جهة، وفيما بين التلاميذ من جهة أخرى. وتلعب العلاقات البينية والتواصل فيما بين مكونات الفصل الدراسي دورا أساسيا في خلق بيئة وجو عاطفي مساعدين على التعلم وتنمية مهارات الحياة من قبيل: التعاون، والتضامن، واحترام وجهات النظر المختلفة، وأساليب فض النزاعات...إلخ
- المبدأ الخامس عشر:
الشعور بالسعادة وأثره على التحصيل الدراسي والنمو المعرفي والوجداني: فمما لا جدال فيه أن شعور المتعلم بالسعادة يؤثر على مختلف جوانب حياته بما في ذلك أداؤه داخل الفصل الدراسي، ومستوى تحصيله الدراسي، ونموه الوجداني والاجتماعي. وهذا الشعور يتضمن: رضى المتعلم عن ذاته، واحترامه لها، وقدرته على ضبط مشاعره، والبقاء هادئا، والتصرف بشكل صحي تجاه ضغوط الحياة اليومية. ويستطيع المدرس مساعدة المتعلم على تحقيق هذا الشعور من خلال خلق جو داخل الفصل الدراسي يشعر فيه كل متعلم بالأمان والاحترام، والعناية اللازمة.
- المبدأ السادس عشر:
قواعد السلوك والتواصل داخل الفصل الدراسي قابلة للتعلم، وهي أحد أسس التدبير الجيد للفصل الدراسي، وهي قواعد يجب أن يحرص المدرسون على تعويد المتعلمين عليها منذ مراحل الدراسة المبكرة، حتى تترسخ وتتحول إلى عادات مألوفة تحكم سلوكهم في المراحل اللاحقة.
- المبدأ السابع عشر:
التدبير الفعال للفصل الدراسي يتوقف على ثلاث أسس: أولها شرح ومناقشة ما هو منتظر من المتعلم القيام به، وثانيها رعاية العلاقات الإيجابية باستمرار، وثالثها تقديم مستوى عال من الدعم النفسي للمتعلم.
- المبدأ الثامن عشر: التقويم التكويني والتقويم الإجمالي كلاهما ضروري ومفيد في الوقوف على سير العملية التعليمية التعلمية برمتها، وسد الثغرات، والوقوف على جدوى مقاربات التدريس المتبعة.
- المبدأ التاسع عشر:
معارف المتعلم ومهاراته وقدراته تقاس بشكل جيد إذا كان التقويم يستند إلى أسس ومعايير دقيقة. وفائدة التقويم الذي يتميز بالدقة والموثوقية أنه يمكن المدرس من جمع معلومات دقيقة حول معرفة المتعلم ومهاراته وقدراته من أجل بناء التعلمات الجديدة على أسس صلبة ومتينة، كما ينبغي في هذا الباب تفادي الحكم على المتعلم من خلال اختبار واحد؛ لأنه غير كاف لإصدار حكم على أمور معقدة كهذه.
- المبدأ العشرون:
إعطاء معنى لنتائج التقويم يتوقف على وضوح وملاءمة أداة التقويم، وعلى التفسير الصحيح لهذه النتائج، وما إذا كان التقويم يعكس بالفعل المستوى الحقيقي للمتعلمين.
للاطلاع على التقرير باللغة الإنجليزية: http://www.apa.org/ed/schools/cpse/top-twenty-principles.pdf