رجوع إلى الطفولة: قراءة في سيرة ليلى أبو زيد الذاتية
لحسن الخلفاويالفصل الثاني: اشتغال النص الموازي في سيرة ليلى أبو زيد الذاتية
يشير مصطلح النص الموازي إلى المصاحبات النصية التي يطلق عليها البعض اسم العتبات. وهي تلعب دورا بارزا في توجيه القراءة. إنها بمثابة عقد يبرمه المؤلف مع القارئ لتأسيس ميثاق القراءة.
وإذا كان جيرار جنيت قد قسم عناصر النص الموازي إلى قسمين: عناصر ملاصقة للنص، ملازمة له؛ كالعنوان، واسم المؤلف، والغلاف، ودار النشر، والمقدمة، والخاتمة والإهداء...إلخ، وعناصر لها علاقة بالنص، لكنها تنتمي إلى مجال النص الملحق؛ كالحوارات التي يجريها المؤلف، والمراسلات وغيرها. فإننا سنكتفي بدراسة القسم الأول في السيرة الذاتية لليلى أبو زيد . فكيف يشتغل هذا النمط من العتبات في هذه السيرة؟ وما هي الوظائف التي اضطلع بها؟
1- العنوان:
يشكل العنوان العتبة الأهم في مختلف النصوص ولاسيما السردية منها، فهو بوابة نلج من خلالها إلى النص. وإذا كانت العناوين تتعدد من حيث الصياغة والمضمون، فإنها تشترك في وظائف منها أنها تهيئ القارئ لاستقبال النص، وتحدد موضوع هذا الأخير أو نوعيته أو هما معا فضلا عن تشويق القارئ وإثارة اهتمامه. ومع ذلك فبإمكان العنوان أن يقول كل شيء عن النص، كما بإمكانه أن يرفض تقديم أي شيء عن النص ماعدا نوعه كما ذهب إلى ذلك هوبير نيسان (البوح والكتابة ص: 47)
وقد اختزل جيرار جنيت مجمل وظائف العنوان في وظيفتين أساسيتين هما: تحديد الموضوع، وتحديد النوع(البوح والكتابة ص: 48)
وبالعودة إلى عنوان سيرة ليلى أبو زيد الذاتية نجده يتكون من ثلاث كلمات هي: رجوع/ إلى/ الطفولة. وتحيل كلمتا الرجوع والطفولة إلى النوع الذي ينتمي إليه المؤلف؛ فما دام الأمر يتعلق بالعودة إلى مرحلة عمرية سابقة واسترجاع أحداثها وذكرياتها، فأغلب الظن أننا بإزاء سيرة ذاتية، لكون هذه الأخيرة حكاية استعادية بامتياز. وبذلك يكون هذا العنوان قد أدى وظيفة نوعية. ومعنى ذلك أننا سنقرأ نصا عن مرحلة من عمر كاتبته تتسم أحداثه ووقائعه بالواقعية والتسلسل الزمني. فهل سيستجيب هذا النص لتوقعاتنا وآفاق انتظارنا؟
2- اسم المؤلف:
يعتبر اسم المؤلف العتبة الأساسية الثانية بعد العنوان. وقد يكون أحيانا أهم من العنوان نفسه بالنسبة للناشر والقارئ المحترف على الأقل. وذلك إذا كان اسما ذائع الصيت في حقل الأدب والفكر. فقد نشتري الكتاب لمجرد أنه لفلان الفلاني، ونقرأه-أيضا – لأنه له. وتزداد أهمية اسم المؤلف كلما تعلق الأمر بالنصوص الذاتية كالرحلة، واليوميات، والسيرة الذاتية التي تُتلَقى بوصفها نصوصا تحكي عن مؤلفيها. ومن تم ينشغل قراؤها بالبحث عن التطابقات الممكنة بين ما يعرفونه عن الكاتب وما كتب عن نفسه.
وبالعودة إلى السيرة موضوع الدراسة في طبعتها الثالثة (2005) نجد أن اسم المؤلفة قد وضع بعد الصورة التي توسطت الغلاف، ففصلت بينه وبين العنوان. وقد كتب بخط بارز إلا أنه أقل حجما من العنوان. فهل معنى ذلك أن عنوان النص أهم من اسم مؤلفته؟ وهل هذا الاختيار ينسجم ومكانة صاحبة النص في النادي الأدبي، وفي أوساط القراء؟ ألا يحيل هذا التأخير على خمول ذكرها؟ لقد وجدنا أن بعض المؤلفات التي ذاعت أسماء مؤلفيها يضع ناشروها هذه الأسماء أعلى الصفحة، كما هو الحال مثلا في رواية الحي اللاتيني لسهيل ادريس في طبعتها الرابعة عشرة والتي نشرتها شركة النشر والتوزيع المدارس وهي الدار نفسها التي نشرت رجوع إلى الطفولة، ومسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح لعبد الكريم برشيد.
إننا نظن أن هذا التوزيع لعناصر النص الموازي على صفحة الغلاف غير مجاني. وفي هذا يقول الباحث المغربي حميد لحميداني:" يمكن اعتبار العناوين وأسماء المؤلفين وكل الإشارات الموجودة في الغلاف الأمامي داخلة في تشكيل المظهر الخارجي للرواية. كما أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه الإشارات لابد أن تكون له دلالة جمالية أو قيمية. فوضع الاسم في أعلى الصفجة لا يعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في الأسفل" (بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي)
فمن هي ليلى أبو زيد ؟
إن القارئ العادي لا يكاد يعرف شيئا عن ليلى أبو زيد. بل هناك من طلاب الأدب من لا يعرف هذا الاسم على الإطلاق علما أن مؤلفات ليلى قد ترجمت إلى لغات عديدة. وقد يكون ذلك بسبب اهتمام الغرب بالكتابة النسائية في العالم العربي والإسلامي لكونها خلخلت اعتقادا كان لزمن طويل يحكم نظرته إلى هذا العالم على أنه مجتمع رجولي يقمع المرأة، ويبقي عليها في السراديب. ومما يعزز عدم شهرة المؤلفة تلك الترجمة الجافة التي وضعها الناشر للمؤلفة، تناول فيها الشهادة الجامعية، والمهن التي زاولتها، والمناصب التي تقلدتها، والأنواع الأدبية التي ألفت فيها، بالإضافة إلى جرد مؤلفاتها، من غير إشارة إلى تاريخ الولادة ومكانها، وطبيعة الموضوعات التي تناولتها، ولا إلى اسهامها في تطور الأدب المغربي الحديث مما نجده عادة في ترجمات المشهورين علما أن الطبعة موجهة للتلاميذ، فكان من المفروض أن تكون غنية.
ونحن لا نعرف حقيقة عن ليلى أبو زيد إلا أنها من مواليد القصيبة بإقليم بني ملال عام 1950. وأنها التحقت بجامعة محمد الخامس بالرباط. ومنها رحلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإتمام دراستها هناك حيث درست الأدب الإنجليزي بجامعة تكساس بأوستين. لتعود بعدها فتشتغل بقسم الأخبار في الإذاعة والتلفزة المغربية. ثم التحقت بالسلك الإداري، واشتغلت في دواوين وزارية منها ديوان الوزارة الأولى. لها مؤلفات منها: محمد الخامس (ترجمة) وبعض سنبلات خضر (رحلة ) و عام الفيل (رواية) و أمريكا الوجه الآخر (رحلة) و ملكوم اكس (ترجمة) والفصل الأخير (رواية) والغريب (مجموعة قصصية).
3- الصورة:
تعتبر الصورة أداة تعبير شديدة الإيحاء، خاصة عندما ترتبط بنص ابداعي. فعلى غلاف السيرة موضوع هذه الدراسة صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، تجسد مشهدا يضم منزلا وساحة أو شارعا وطفلتين صغيرتين. تلتفت إحداهما إلى الخلف. ترتديان زيا مغربيا تقليديا تشدان وسطه بحزام. إنها صورة باهتة تجاري العنوان الذي يحيل على مرحلة عمرية متقدمة، وقد علاها غبار النسيان. وتؤدي وظيفة إذكاء خيال القارئ بإحالتها على مضمون النص وتجسيدها لمشهد من مشاهده.
4- المقدمة:
إذا كانت العتبات السابقة قد أوحت بانتماء المؤلف إلى جنس السيرة الذاتية، فإن المقدمة جاءت صريحة لتبدد أي شك قد يحوم حول هذا الانتماء. وذلك من خلال الإشارة إلى إكراهات الكتابة عن الذات في المجتمعات العربية والإسلامية ومنها المغرب، ولاسيما إذا تعلق الأمر بكتابة نسائية.
وهكذا لم تقدم الكاتبة – حسب ما ورد في المقدمة-على كتابة سيرتها الذاتية إلا بعد إلحاح شديد من الخبيرة الأمريكية في شؤون الشرق الأوسط: اليزابيت فرنيا. وكان مما شجعها على ذلك أن عملها ذاك سيكون موجها إلى الجمهور الأجنبي، وأنه يمنحها " الفرصة لتصحيح ما يمكن تصحيحه من الأفكار المسبقة عن الإسلام والمرأة المسلمة" (ص: 4 و 5) ولم تنشر النسخة العربية إلا بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية، أي عام 1993.