رجوع إلى الطفولة: قراءة في سيرة ليلى أبو زيد الذاتية

بقلم: الأستاذ لحسن الخلفاوي 
      هذه السيرة الذاتية لمؤلفتها المغربية ليلى أبو زيد اقترحتها الوزارة منذ سنوات من ضمن مجموعة من المؤلفات لتدرس بالسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، مكان النصوص المسترسلة التي هي جزء من مكونات القراءة الوظيفية، وذلك لتكون صلة وصل بين السلكين، وحتى يتعود التلاميذ على قراءة نصوص طويلة كما هو الحال بالسلك التأهيلي، وهذه دراسة لهذه السيرة أنجزناها عام 2008 ولم ننشرها، وإنما اطلع عليها كثير من الزملاء، واستفاد منها مجموعة من تلاميذي خاصة، وأنا الآن أنشرها لتعم الفائدة. وقد ضمنتها مقدمة هي هذه، وأربعة فصول: فصل عن السيرة الذاتية في العالم العربي، وفصل عن اشتغال النص الموازي في سيرة ليلى أبو زيد الذاتية، وفصل عن المقومات السردية، وفصل عن الأبعاد الدلالية ثم خاتمة، ومسرد المصادر والمراجع.

الفصل الأول: السيرة الذاتية في العالم العربي
            إذا كانت السيرة الذاتية نصا سرديا ينتمي إلى جنس الكتابة الشخصية شأنه في ذلك شأن اليوميات والمذكرات والرحلات فإن تراثنا العربي والإسلامي الزاخر بأنواع سردية مختلفة من حكاية ومقامة ورحلة وترجمات غيرية خلا من السيرة الذاتية. وما كتب من سير كان عن شخصيات غير شخصية مؤلفها، وهي السير الغيرية، كالسيرة النبوية لابن هشام. ويقودنا هذا الفراغ إلى التساؤل عن سر استنكاف كتابنا القدامى عن كتابة سيرهم الذاتية.

    لعلنا نجد الجواب في طبيعة السيرة الذاتية نفسها وقيم المجتمع الإسلامي التي ترفض الأنا وتتعالى عليها. فالسيرة الذاتية كما عرفها فيليب لوجون هي: " حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية، وعلى تاريخ شخصيته، بصفة خاصة"(البوح والكتابة ص: 13) ولما كانت تحتفي بالحياة الشخصية لمؤلفها وتتسم بالواقعية: واقعية الأحداث والأشخاص والأزمنة والأمكنة، فإنها كانت بعيدة كل البعد عن طبيعة الإنسان العربي خاصة والمسلم عامة الذي يرى في تزكية النفس ومدحها ضربا من الأنانية والفردانية المفرطة، وهو الذي تعلم العيش في الجماعة والذوبان فيها إلى حد ينسى فيه ذاته ويؤثر الجماعة عليها.

       هذا بالإضافة إلى ما أشارت إليه ليلى أبو زيد في مقدمة سيرتها الذاتية من أن " حياة الفرد في الثقافة الإسلامية عورة والستر قيمة أساسية". وهكذا تكون السيرة الذاتية بهذا المعنى القائم على البوح واستعادة الماضي الشخصي فنا مستوردا في العالم العربي شأنه في ذلك شأن الرواية والمسرح. ورغم أن البعض يشير إلى أن فن السيرة الذاتية فن أصيل في الثقافة العربية ويذكر في هذا الباب كتبا من قبيل "المنقذ من الضلال" لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي، والتعريف بابن خلدون للعلامة ابن خلدون، فإننا نرى مع ذلك أن هذين الكتابين يصعب إدراجهما في خانة السيرة الذاتية بمعناها الذي استقر عليه رأي الدارسين اليوم. وقد أشار الدكتور محمد ناجي بن عمر إلى صعوبة التجنيس التي يطرحها هذا الكتاب الأخير حين قال: " فإننا نشير إلى أن هذا المؤلف لا يشبه تماما كتاب التراجم القديمة... بل هو أقرب إلى كتاب تاريخ يرويه مؤرخ من كتاب تعريفي فيه حديث مفصل عن المترجم له... وهذا المظهر ملموس لصعوبة تجنيسه من ضمن حقل السيرة الذاتية"(في الثقافة والأدب ص: 156) وحتى إن سلمنا بانتماء هذين الكتابين وغيرهما إلى جنس السيرة الذاتية، فإن الكتابة عن الذات لم تشغل بال القدامى، ومن تم ظلت تجاربها محدودة.

      وأما في العصر الحديث، فقد عرفت الكتابة عن الذات رواجا كبيرا إلى درجة أن سير الكثيرين من الأدباء والمفكرين العرب فاقت شهرتها شهرة ما ألفوا من نفائس في مجالات أخرى. ومن ذلك "حياتي" لأحمد أمين، و"سبعون" لمخائيل نعيمة، و"حياة وقلم" و"أنا" لعباس محمود العقاد، و"زهرة العمر" و"سجن العمر" لتوفيق الحكيم، و"الأيام" لطه حسين.

       وأما في المغرب فقد عرفت السيرة الذاتية تطورا ملحوظا بدءا من أربعينيات القرن الماضي. فغصت الساحة الأدبية المغربية بسير ذاتية ك"الزاوية" للتهامي الوزاني، و"في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون، و"سبعة أبواب" لعبد الكريم غلاب، و"الخبز الحافي" و"زمن الأخطاء" لمحمد شكري و"صور من الماضي" لهشام شرابي، و"حفريات في الذاكرة" لمحمد عابد الجابري، و"الضريح" و" الضريح الآخر" لعبد الغني أبو العزم، و"رجوع إلى الطفولة" لليلى أبي زيد وهي مدار دراستنا هذه، وهي دراسة موجهة في المقام الأول إلى السادة الأساتذة وتلاميذ الثانويات الإعدادية التي تدرس هذه السيرة ضمن مواد اللغة العربية. وأملنا أن يجدوا فيها بغيتهم.
google-playkhamsatmostaqltradent