بيداغوجيا التقويم بالنفخ .

يمكن أن نعرف التقويم التربوي بأنه مجموعة من الخطوات والإجراءات التي يسلكها الأستاذ لقياس مستوى متعلميه ملامسا مختلف جوانبهم المعرفية والمهارية والسلوكية حتى يتأتى له الاطلاع على مواطن قوتهم قصد تثبيتها ومواطن ضعفهم قصد تجاوزها ، ولذلك فهو يحظى بأهمية كبرى لدى المختصين وعلماء التربية الذين يحثون على نهجه ويدعون إلى ضرورة تنويعه ليرافق جميع مراحل العملية التعليمية التعلمية بدءا بالتقويم التشخيصي مرورا بالتقويم المرحلي وصولا إلى التقويم النهائي ، ولعل هذا ما جعل الوزارة الوصية تتحدث في الميثاق الوطني عن هذه الأداة وتوليها عناية فائقة حيث أشارت في الدعامة الخامسة  إلى الطرق التقويمية التي بموجبها يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى مع تركيزها  على ضرورة مراعاة مجموعة من المبادئ الأساسية في كل عملية تقويمية منها  :
- الاتصاف بالمصداقية والتقيد بالموضوعية والإنصاف.
- الحرص على شفافية معايير التنقيط والتعريف بها سلفا.
هذا بالإضافة إلى المذكرات والتوجيهات التربوية الخاصة بكل مادة دراسية على حدى والتي تصدر بانتظام لجعل عملية التقويم تتسم بنوع من الدقة  والمصداقية والبعد عن  الارتجال والعشوائية .
غير أنه بالرجوع إلى الواقع التعليمي فإننا نجد الأساتذة تُجاه عملية التقويم صنفان لا ثالث لهما :
- صنف يحترم المذكرات  والتوجيهات وهو على اطلاع تام بقيمة التقويم الذي ما فتئ يوظفه بمعاييره الواضحة وهو قبل كل ذلك يحترم ضميره ويقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه .
- وصنف آخر مع كامل احتراماتي لا يولى مسألة التقويم المعياري أدنى اهتمام وإنما يركز على طريقة أخرى في التقويم  يمكن أن نسميها التقويم بالنفخ .
فما معنى هذا التقويم ؟ وما هي الأسباب التي تستدعي اللجوء إليه ؟ وما هي نتائجه ؟
من حيث المفهوم يمكن القول أن التقويم بالنفخ هو أسلوب ينهجه بعض الأساتذة داخل فصولهم الدراسية ويرتكز على منح نقط غير مستحقة لفئة من التلاميذ أو مجموعها لأغراض تختلف من المدرسة العمومية إلى المدرسة الخصوصية ، وعادة ما يُلجأ على هذا الأسلوب لأسباب عدة منها .
- أن يكون  الأستاذ غير ملم بالمذكرات والتوجيهات ولا يوليها اهتماما وقبل ذلك لم يحض بأدنى تكوين وإنما ولج الوظيفة بطريقة مباشرة ( توظيف بدون تكوين) وفي هذه الحالة فاقد الشيء لا يعطيه .
- أن يكون الأستاذ غير ضابط لتخصصه مما يضطره إلى تغطية نقصه بالجود والكرم وتوزيع النقط جزافا دون قيد أو شرط .
- أن يكون للأستاذ انشغالات أخرى تجعل مسألة التقويم الدقيقة ذات المعايير مضنية ومتعبة وتأخذ منه جهدا ووقتا كبيرين لذا يفضل صاحبنا أن يسلك الطريق السهل فينفخ النقط بجرة قلم فيرضي الاذواق ويطفئ الاشواق ويحظى بالمكانة الرفيعة بين الرفاق  .
- الاشتغال بالقطاع الخصوصي الذي يفرض على الأستاذ  استغلالا لحاجته نفخ النقط ترويجا لسمعة المؤسسة وفي هذا الاطار لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة احتراما وتقديرا لما أقدم عليه الوزير المخلوع  السيد حصاد كخطوة إيجابية تحسب له عندما أصدر مذكرة وزارية  أعلن  فيها عن جدية الوزارة وعزمها لاتخاذ عدة قرارات في حق 32 مؤسسة للتعليم المدرسي الخصوصي، ثبت في حقها تخويلها التلميذات والتلاميذ نقطا غير مستحقة في فروض المراقبة المستمرة خلال الموسم الدراسي 2017-2016.
- التسيب الحاصل داخل المؤسسات التعليمية العمومية مما يجعلها مرتعا لمجموعة من التلاميذ الذين يصلحون صراحة لكل شيء إلا للتمدرس وهم ما لبثوا يعثون في المؤسسات فسادا وتشرميلا وتعنيفا مما يضطر بعض الأساتذة قليلي الخبرة والتجربة في التعامل مع هذه الحالات إلى  الرضوخ للأمر الواقع إرضاء لهؤلاء التلاميذ بمنح نقط غير مستحقة تجنبا لشرهم تحت شعار (النقط مقابل السلام ).
لا شك أن هذه الأسباب وغيرها غير مُبرّرة بتاتا لعملية نفخ النقط لا في القطاع الخصوصي ولا العمومي ، لا بالنسبة للتلاميذ المشاغبين ولا لغيرهم ، نظرا لما لها من انعكاسات آنية ومستقبلية ككونها تمس مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ الاستحقاق في النجاح فضلا عن كونها تدفع التلاميذ وذويهم إلى تفيئ الأستاذة واحتقار المجدين المشتغلين بمعايير واضحة ، وبالمقابل احترام المتهورين الذين يجودون بمدادهم الأحمر مانحين نقطا مفخخة لتلامذة دون المستوى مما  يربيهم على الجسارة ويخلق حالات من الصراع المعلنة أوالخفية بين أساتذة المؤسسة الواحدة لا لشيء إلا لكون أولئك التلاميذ المنفوخة نقطهم قد اعتادوا العلامات المميزة دون بذل أدنى مجهود يذكر ولذا بمجرد ما يصدمهم أستاذ بمنحهم ما يستحقون وفق معايير واضحة ومعلنة منذ بداية السنة نجدهم يثورون ويحتجون مطالبن بما اعتادوه وألفوه على يد الأساتذة الآخرين .
وتفاديا لهذه الانعكاسات الكارثية التي لا محالة  سيتضرر منها الأستاذ النافخ والتلميذ المنفوخ قبل غيرهما والمجتمع الذي يحتضن الجميع  أدعو الاخوة الأساتذة الأفاضل إلى رصّ الصفوف ولملمة الشتات وتوحيد المعايير واحترامها وكفى من التهور واللامبالاة ولنعلم جميعا أن الذي ينفخ النقط لكسب محبة المتعلمين  وشراء ودهم أو لكف أذاهم هو في الحقيقة يخون العهد الذي بينه وبين الله ابتداء إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما أنه يساهم في تشويه وظيفة الرسل الذين اخترنا السير على دربهم حتى كدنا أن نكون مثلهم ، بالإضافة إلى أن الأستاذ ينبغي ان يكون أستاذا بمعنى الكلمة لا (رابوزا) وظيفته النفخ فقط ، وفي الأخير لنعلم حقيقة أن أسلوب النفخ هذا والمبالغة فيه  هو شهادة زور يدلي بها الأستاذ كل دورة وكل سنة بل وكل حياته العملية وهو بذلك  يساهم في خلق جيل ممتلئ بثاني أوكسيد الكارطون  أي يحمل شواهد كارطونية ونقط رفيعة لكنه  بالمقابل غير قادر على إثبات وجوده الفعال داخل مجتمعه والعود عليه بالنفع مما يدفعه لا محالة إلى الانحراف ومحاولة التمرد والانتقام بطرق مختلفة قد تكون أنت  أيها الأستاذ محلها من حيث لا تدري إذ كما تدين تدان . 
google-playkhamsatmostaqltradent