تعد المدرسة فضاء تربويا تعليميا يسهم بشكل كبير في تهذيب نفوس الناشئة و تنمية قدراتها و كفاياتها بغية تأهيلها للاندماج بيسر ونجاح في الحياة الاجتماعية والعملية . ففي المجتمعات المتحضرة التي تدرك القيمة الحقيقية للمدرسة، تحظى هذه الأخيرة بمكانة متميزة اعتبارا للأدوار الجليلة التي تقوم بها. أما في بلدنا المغرب ، فالأمر يختلف تماما، فهناك هجمة شرسة و خطيرة تشن ضد أحد أهم أعمدة وركائز المنظومة التربوية، ألا وهو الفاعل التربوي (*)، هذه الهجمة يتزعمها للأسف الشديد بعض التلاميذ، الذين من المفروض فيهم أن يبادروا بتقديم أكاليل الورود و الأزهار إلى من علموهم مفاتيح القراءة والكتابة ، بدل تصويب اللكمات إلى أجسادهم المنهكة، وكذا وصفهم بأقبح وأبشع النعوت والأوصاف .إذا، فما الأسباب الرئيسية للعنف المدرسي الموجه ضد الفاعل التربوي ؟ وما سبل الحد من هذه الظاهرة المشينة؟
إن تنامي ظاهرة العنف المدرسي تجاه الفاعل التربوي، بمختلف أنواعه وأشكاله، خاصة في السنوات الأخيرة ، يؤشر على أن مسلسل فشل وإخفاق الإصلاحات المباشرة للمدرسة المغربية لا زال متواصلا، وأن مشاريع الإصلاح لم تلج بعد الفصول الدراسية و فضاءات المدرسة، مما جعل منها فضاء منفرا لا يلبي حاجيات ورغبات المتعلمين ولايستجيب لاهتهماماتهم المتجددة ، إضافة إلى كون المدرسة أصبحت شبه عاجزة عن تمكين روادها من تملك الكفايات الأساسية والضرورية لمواصلة المسار الدراسي بنجاح، وعن تأهيلهم للاندماج بيسر في الحياة الاجتماعية، بسبب اعتماد مناهج وبرامج دراسية كلاسيكية ، واعتماد أساليب وطرائق تدريسية يغلب عليها الطابع الإلقائي، مما يولد خيبة أمل كبيرة لدى غالبية المتعلمين، الذين قد يلجأ بعضهم إلى تفريغ شحناتهم النفسية الزائدة على شكل عنف مادي أو معنوي أو جنسي . علاوة على ذلك فهناك غياب شبه تام لتفعيل الأنشطة الموازية ( نوادي المسرح و السينما / حقوق الإنسان/التربية البيئية/ التربية الجنسية...) . وما يزيد من استفحال الظاهرة، هو الاكتظاظ السائد في جل الصفوف الدراسية، حيث يصبح معه من العسير على الأستاذ تفعيل آليات التواصل التربوي المطلوب، فتحل الفوضى و التسيب ، فيستغل بعض التلاميذ هذا المناخ اللاتربوي من أجل ممارسة أفعالهم المشينة، والتي غالبا ما ينال منها الأستاذ النصيب الأوفر، فتراه أحيانا مثار سخرية واستهزاء ، وأحيانا أخرى ضحية عنف مادي مباشر.
إن التراجع المهول للدور الأساسي للأسرة في تربية الناشئة تربية سليمة تنهل من القيم الدينية والوطنية والإنسانية، نتيجة طبيعية لبروز قوة أكبر، تتمثل في الثورة الرقمية التي شهدها العالم خلال مطلع الألفية الثالثة ، هذه الثورة وبفضل تعدد أدواتها ووسائلها غزت غزوا عالم الطفل، وذلك بفعل سهولة الولوج إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الدردشة والمواقع الإباحية...، فخلقت منه إنسانا يحب العيش بعيدا عن واقعه متمردا على كل آليات الضبط والمراقبة الأسرية، مرتميا بذلك بين أحضان عالم افتراضي يعج بمخاطر جمة، قد تخلق منه إنسانا غير سوي، يجنح في أية لحظة إلى ممارسة العنف كلما سنحت له الفرصة بذلك. أما وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها وأشكالها، فبدورها أيضا أسهمت في تشويه الصورة الرمزية للفاعل التربوي، عبر تضخيمها وتهويلها لبعض الحالات المعزولة، التي تعرف ارتكاب هذا الأخير لأخطاء مقصودة أو غير مقصود ة أثناء مزاولة مهامه، هذا التناول الإعلاموي المبالغ فيه ، كون صورة سلبية حول الفاعل التربوي في أذهان المتلقي، فكانت النتيجة حتمية، السخرية والاستهزاء من القدوة والرمز بأبشع الطرق والأساليب.
وأمام استفحال هذه الظاهرة الخطيرة التي أضحت تهدد الجسم التربوي برمته، أقترح كفاعل تربوي بعض الحلول التي أراها ملائمة للحد من هذا الوباء العضال، و كذا التخفيف من آثاره السلبية الوخيمة على المنظومة التربوية بصفة خاصة ، و على المجتمع بصفة عامة :
- التفعيل الإجرائي لخيار التعبئة المجتمعية لإصلاح حقيقي للمدرسة، عبر مناظرة وطنية حول هذه الظاهرة،
- إعادة الاعتبار للمكانة الرمزية للفاعل التربوي في الخطابات الرسمية و وسائل الإعلام،
- جعل المدرسة فضاء جذابا، يتيح للتلميذ(ة) ممارسة هواياته ويلبي رغباته وحاجياته،
- ضرورة تفعيل مبدأ التخفيف من البرامج، وتفعيل الأنشطة الموازية ، مع إدراجها كعنصر في المراقبة المستمرة،
- وجوب تفعيل آليات المصاحبة والمواكبة والدعم التربوي والنفسي والاجتماعي،
- كلمة شهرية مباشرة يلقيها وزير التربية الوطنية تبث على أمواج الإذاعة والتلفزة، يشيد من خلالها بأدوار ومناقب نساء ورجال التعليم،
- تشديد الإجراءات الأمنية ( كاميرات المراقبة، منع إدخال الهواتف المحمولة والهواتف النقالة إلى الفصول الدراسية، تكثيف دوريات الأمن بمحيط المؤسسات ... )
إن ما يتم تداوله من أشرطة مصورة توثق لحالات عنف ممارس ضد الفاعل التربوي، ما هو إلا غيض من فيض، فالعنف المدرسي أضحى سلوكا يوميا يهدد المنظومة التربوية برمتها، لهذا وجب التصدي بحزم لهذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا، مع وجوب تفعيل آليات المصاحبة التربوية والنفسية والاجتماعية لفائدة المتمدرسين، وذلك بغية جعل المدرسة فضاء جذابا يعج بالحياة والمعرفة، ومكانا لاكتساب وممارسة السلوكات المدنية.
بقلم " توفيق ثابت " أستاذ التعليم الابتدائي بالمديرية الإقليمية الرحامنة
(*): الأستاذ والمدير
إن تنامي ظاهرة العنف المدرسي تجاه الفاعل التربوي، بمختلف أنواعه وأشكاله، خاصة في السنوات الأخيرة ، يؤشر على أن مسلسل فشل وإخفاق الإصلاحات المباشرة للمدرسة المغربية لا زال متواصلا، وأن مشاريع الإصلاح لم تلج بعد الفصول الدراسية و فضاءات المدرسة، مما جعل منها فضاء منفرا لا يلبي حاجيات ورغبات المتعلمين ولايستجيب لاهتهماماتهم المتجددة ، إضافة إلى كون المدرسة أصبحت شبه عاجزة عن تمكين روادها من تملك الكفايات الأساسية والضرورية لمواصلة المسار الدراسي بنجاح، وعن تأهيلهم للاندماج بيسر في الحياة الاجتماعية، بسبب اعتماد مناهج وبرامج دراسية كلاسيكية ، واعتماد أساليب وطرائق تدريسية يغلب عليها الطابع الإلقائي، مما يولد خيبة أمل كبيرة لدى غالبية المتعلمين، الذين قد يلجأ بعضهم إلى تفريغ شحناتهم النفسية الزائدة على شكل عنف مادي أو معنوي أو جنسي . علاوة على ذلك فهناك غياب شبه تام لتفعيل الأنشطة الموازية ( نوادي المسرح و السينما / حقوق الإنسان/التربية البيئية/ التربية الجنسية...) . وما يزيد من استفحال الظاهرة، هو الاكتظاظ السائد في جل الصفوف الدراسية، حيث يصبح معه من العسير على الأستاذ تفعيل آليات التواصل التربوي المطلوب، فتحل الفوضى و التسيب ، فيستغل بعض التلاميذ هذا المناخ اللاتربوي من أجل ممارسة أفعالهم المشينة، والتي غالبا ما ينال منها الأستاذ النصيب الأوفر، فتراه أحيانا مثار سخرية واستهزاء ، وأحيانا أخرى ضحية عنف مادي مباشر.
إن التراجع المهول للدور الأساسي للأسرة في تربية الناشئة تربية سليمة تنهل من القيم الدينية والوطنية والإنسانية، نتيجة طبيعية لبروز قوة أكبر، تتمثل في الثورة الرقمية التي شهدها العالم خلال مطلع الألفية الثالثة ، هذه الثورة وبفضل تعدد أدواتها ووسائلها غزت غزوا عالم الطفل، وذلك بفعل سهولة الولوج إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الدردشة والمواقع الإباحية...، فخلقت منه إنسانا يحب العيش بعيدا عن واقعه متمردا على كل آليات الضبط والمراقبة الأسرية، مرتميا بذلك بين أحضان عالم افتراضي يعج بمخاطر جمة، قد تخلق منه إنسانا غير سوي، يجنح في أية لحظة إلى ممارسة العنف كلما سنحت له الفرصة بذلك. أما وسائل الإعلام، بمختلف أنواعها وأشكالها، فبدورها أيضا أسهمت في تشويه الصورة الرمزية للفاعل التربوي، عبر تضخيمها وتهويلها لبعض الحالات المعزولة، التي تعرف ارتكاب هذا الأخير لأخطاء مقصودة أو غير مقصود ة أثناء مزاولة مهامه، هذا التناول الإعلاموي المبالغ فيه ، كون صورة سلبية حول الفاعل التربوي في أذهان المتلقي، فكانت النتيجة حتمية، السخرية والاستهزاء من القدوة والرمز بأبشع الطرق والأساليب.
وأمام استفحال هذه الظاهرة الخطيرة التي أضحت تهدد الجسم التربوي برمته، أقترح كفاعل تربوي بعض الحلول التي أراها ملائمة للحد من هذا الوباء العضال، و كذا التخفيف من آثاره السلبية الوخيمة على المنظومة التربوية بصفة خاصة ، و على المجتمع بصفة عامة :
- التفعيل الإجرائي لخيار التعبئة المجتمعية لإصلاح حقيقي للمدرسة، عبر مناظرة وطنية حول هذه الظاهرة،
- إعادة الاعتبار للمكانة الرمزية للفاعل التربوي في الخطابات الرسمية و وسائل الإعلام،
- جعل المدرسة فضاء جذابا، يتيح للتلميذ(ة) ممارسة هواياته ويلبي رغباته وحاجياته،
- ضرورة تفعيل مبدأ التخفيف من البرامج، وتفعيل الأنشطة الموازية ، مع إدراجها كعنصر في المراقبة المستمرة،
- وجوب تفعيل آليات المصاحبة والمواكبة والدعم التربوي والنفسي والاجتماعي،
- كلمة شهرية مباشرة يلقيها وزير التربية الوطنية تبث على أمواج الإذاعة والتلفزة، يشيد من خلالها بأدوار ومناقب نساء ورجال التعليم،
- تشديد الإجراءات الأمنية ( كاميرات المراقبة، منع إدخال الهواتف المحمولة والهواتف النقالة إلى الفصول الدراسية، تكثيف دوريات الأمن بمحيط المؤسسات ... )
إن ما يتم تداوله من أشرطة مصورة توثق لحالات عنف ممارس ضد الفاعل التربوي، ما هو إلا غيض من فيض، فالعنف المدرسي أضحى سلوكا يوميا يهدد المنظومة التربوية برمتها، لهذا وجب التصدي بحزم لهذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا، مع وجوب تفعيل آليات المصاحبة التربوية والنفسية والاجتماعية لفائدة المتمدرسين، وذلك بغية جعل المدرسة فضاء جذابا يعج بالحياة والمعرفة، ومكانا لاكتساب وممارسة السلوكات المدنية.
بقلم " توفيق ثابت " أستاذ التعليم الابتدائي بالمديرية الإقليمية الرحامنة
(*): الأستاذ والمدير