بقلم ذ. محمد بوطاهر، تنغير في 27 ماي 2017
قد لا نختلِفُ كثيرا إذا قلنا أن الطريق إلى الباكالوريا هذه السّنة أقل تكلفة وجهدًا مما سبق. فرزنامة الاجراءات القانونية/ الزجرية وما رافقها من حُمّى إعلامية مَسعُورة قبل موعد الامتحانات السّنة الفارطة، أضحت يَبابا هذه الأيام، ولعلها إشارات ضمنية من الوزير الجديد إلى انه طلَّق أساليب الداخلية المتحجرة والمخيفة جنبًا وآنسَ برُوحانية الوزارة الجَديدة التي تتسَاهل مع الجميع.
الطريقُ إلى الباكالوريا هذه السّنة 2017م، وإن كنا نُبصِر بعض الاجراءات المسْكوكة التي تحمل خطابا تحذيريا مغسُولاً لا يرجى من ورائه طائل، طريقٌ لا تكتنفه صُعوبات جمّة، على الأقل على المستوى الشكلي، حيث نلاحظ غياب التشهير بعواقب الغش وتحايل الغشاشين ومن يُساعدهم من الكتبيين ومراكز الأنترنيت وغيرهم ممن وصلهم وابلُ التحذير السّنة الماضية، بل إن عدد الاجتماعات التنسيقية العمُودية والأفقية بين الوزارة الوصية ومصالحها وبينها وبين الوزارات الأخرى، خاصة الداخلية التي تؤمِّن العمليات اللوجستيكية في الامتحان، تقلصت بالضعف تقريبا، فضلا عن غياب تغطية إعلامية كما عهدنا السنة الفارطة التي نفخت في كير التهويل حد التخويف. كل هذا يدفعُ المواطن البسيط ومنه التلميذ تحديدا، وهو الطرف الأساس في العملية إلى الاحساس بنوع من الفتور والارتجالية في تدبير عملية الامتحان، وما يرافق ذلك من فقدان المصداقية وتبخيس الشهادة والمعرفة بشكل عام.
صحيح ان نيل شهادة الباكالوريا في المغرب عملية مركبة موسُومة بمفارقات عجيبة يتداخل فيها الواقعي بالخيالي والنجاح بالفشل. ونترفع عن الاستشهاد هنا بوقائع تسريب الامتحانات وما سَاد آنئذ من "شوهة وبهدلة" وتيئيس الناس في مصداقيتها، فهو أمرٌ يمجّه الجميع من شدة الخوض فيه، بل نتجاوزه الى استحضار أبعاد أخرى ترتبط بالتطبّع مع ممارسات الغش والتساهل و اعتبار كل اجراءات الامتحان ضريبة زائدة يجب النضال ضدها. هنا نصير أمام ازدواجية خطيرة يكون طرفها الأول الوزارة/الدولة وخطابها الحربائي، ثم في الطرف الثاني التلميذ/ المواطن المدفوع غَصبا إلى تصديق ما يقال حتى ولو تجلت عوراته وعيوبه بشكل فاضح.
يجدر إذا بمختلف الأطراف المساهمة في نجاح عملية امتحان الباكالوريا التحلي بالالتزام الأخلاقي قبل القانوني، فتقيم المعرفة ليس بالأمر السّهل ويزيد صعوبة اذا وكلت في تدبيره كائنات مهترئة مليئة بالعقد ومركبات نقص. إن الأمر، فعلا، يدعو إلى التفكير في طرق تدبيرية أكثر نجاعة وأمنا، وإلا فما فائدة كل هذه الجعجعة الكبيرة التي تلتلهم ميزانية ضخمة وتستنفذ جُهود جيش من الحراس والمراقبين والملاحظين والمصحّحين وتعكر صَفو أسر عَديدة لأيام طوال، إذا تكالبَ الجميع على النفاق والتملص من أداء المهمة، والانخراط البليد في تبخيس الباكالوريا و شَرْعَنة الغش والتحايل والاستهتار في تحقيق تكافؤ الفرص، بل إن بعض الاجراءات تعادلُ بشكل أعْمى بين المجتهد والمتعثر وتدفع الأول إلى الاحساس بالغثيان مما يبذله من جهد وسهر الليالي، ويذهب مذهب الشاعر المتنبي في قوله: ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ // وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ.
امتحان الباكالوريا محطة أساسية في المسار الدراسي عند المتعلم، وتكتسي دِلالة كبيرة في المخيال المجتمعي المغربي، ولهذا لا ينبغي العمل على إفراغها من كل هذا المعنى المتوارث الذي يجعل المتعلم مُنخرطا في سلسلة متناسلة من المعرفة وصناعة الوعي. وإذْ ثبت لنا قصدُ الوزارة الزائف الرامي إلى صناعة نخب جوفاء لا تستطيع طرح أسئلة وجودية وواقعية مُضنية، أو مساءلة الدولة حول المسار الحقوقي، فان اتباع ذلك بأساليب التشيء والتبخيس، ليؤدي إلى افراز واقع مرير ومليء بأشباه الدمى؛ أحياء لكنهم لا يبصرون. فالانتقام من مخططات الوزارة لا يعني إطلاقًا التساهل مع الغش أو التطبع مع ممارسيه، لأن للنضال، يا هذا، منافذه الخاصّة التي يجب نهجها بشجاعة دون التواري جزعًا بين الأفكار المريضة.
على المواطن الآن، وبكل جرأة، نشر الوعي بأهمية اكتساب المعرفة ونيل الشهادة بجدارة واستحقاق، بعيدا عن الغش والممارسات المشبُوهة التي تفرز جيل ظمأ أعوج، جيل غير قادر على تدبير المرحلة، بل قد يقود معركة الحياة كلها إلى جرفٍ هارٍ يلتهمُ الأخضر واليابس. فمستقبل المتعلم وطريق نجاحه يبتدئ تحديدا من صناعة هذا الوعي الواعد وزرعه بسَلاسة في أذهان الناشئة، بعيدا عن السفسطائية المخزنية/ والمدنية الزائفة.
قد لا نختلِفُ كثيرا إذا قلنا أن الطريق إلى الباكالوريا هذه السّنة أقل تكلفة وجهدًا مما سبق. فرزنامة الاجراءات القانونية/ الزجرية وما رافقها من حُمّى إعلامية مَسعُورة قبل موعد الامتحانات السّنة الفارطة، أضحت يَبابا هذه الأيام، ولعلها إشارات ضمنية من الوزير الجديد إلى انه طلَّق أساليب الداخلية المتحجرة والمخيفة جنبًا وآنسَ برُوحانية الوزارة الجَديدة التي تتسَاهل مع الجميع.
الطريقُ إلى الباكالوريا هذه السّنة 2017م، وإن كنا نُبصِر بعض الاجراءات المسْكوكة التي تحمل خطابا تحذيريا مغسُولاً لا يرجى من ورائه طائل، طريقٌ لا تكتنفه صُعوبات جمّة، على الأقل على المستوى الشكلي، حيث نلاحظ غياب التشهير بعواقب الغش وتحايل الغشاشين ومن يُساعدهم من الكتبيين ومراكز الأنترنيت وغيرهم ممن وصلهم وابلُ التحذير السّنة الماضية، بل إن عدد الاجتماعات التنسيقية العمُودية والأفقية بين الوزارة الوصية ومصالحها وبينها وبين الوزارات الأخرى، خاصة الداخلية التي تؤمِّن العمليات اللوجستيكية في الامتحان، تقلصت بالضعف تقريبا، فضلا عن غياب تغطية إعلامية كما عهدنا السنة الفارطة التي نفخت في كير التهويل حد التخويف. كل هذا يدفعُ المواطن البسيط ومنه التلميذ تحديدا، وهو الطرف الأساس في العملية إلى الاحساس بنوع من الفتور والارتجالية في تدبير عملية الامتحان، وما يرافق ذلك من فقدان المصداقية وتبخيس الشهادة والمعرفة بشكل عام.
صحيح ان نيل شهادة الباكالوريا في المغرب عملية مركبة موسُومة بمفارقات عجيبة يتداخل فيها الواقعي بالخيالي والنجاح بالفشل. ونترفع عن الاستشهاد هنا بوقائع تسريب الامتحانات وما سَاد آنئذ من "شوهة وبهدلة" وتيئيس الناس في مصداقيتها، فهو أمرٌ يمجّه الجميع من شدة الخوض فيه، بل نتجاوزه الى استحضار أبعاد أخرى ترتبط بالتطبّع مع ممارسات الغش والتساهل و اعتبار كل اجراءات الامتحان ضريبة زائدة يجب النضال ضدها. هنا نصير أمام ازدواجية خطيرة يكون طرفها الأول الوزارة/الدولة وخطابها الحربائي، ثم في الطرف الثاني التلميذ/ المواطن المدفوع غَصبا إلى تصديق ما يقال حتى ولو تجلت عوراته وعيوبه بشكل فاضح.
يجدر إذا بمختلف الأطراف المساهمة في نجاح عملية امتحان الباكالوريا التحلي بالالتزام الأخلاقي قبل القانوني، فتقيم المعرفة ليس بالأمر السّهل ويزيد صعوبة اذا وكلت في تدبيره كائنات مهترئة مليئة بالعقد ومركبات نقص. إن الأمر، فعلا، يدعو إلى التفكير في طرق تدبيرية أكثر نجاعة وأمنا، وإلا فما فائدة كل هذه الجعجعة الكبيرة التي تلتلهم ميزانية ضخمة وتستنفذ جُهود جيش من الحراس والمراقبين والملاحظين والمصحّحين وتعكر صَفو أسر عَديدة لأيام طوال، إذا تكالبَ الجميع على النفاق والتملص من أداء المهمة، والانخراط البليد في تبخيس الباكالوريا و شَرْعَنة الغش والتحايل والاستهتار في تحقيق تكافؤ الفرص، بل إن بعض الاجراءات تعادلُ بشكل أعْمى بين المجتهد والمتعثر وتدفع الأول إلى الاحساس بالغثيان مما يبذله من جهد وسهر الليالي، ويذهب مذهب الشاعر المتنبي في قوله: ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ // وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ.
امتحان الباكالوريا محطة أساسية في المسار الدراسي عند المتعلم، وتكتسي دِلالة كبيرة في المخيال المجتمعي المغربي، ولهذا لا ينبغي العمل على إفراغها من كل هذا المعنى المتوارث الذي يجعل المتعلم مُنخرطا في سلسلة متناسلة من المعرفة وصناعة الوعي. وإذْ ثبت لنا قصدُ الوزارة الزائف الرامي إلى صناعة نخب جوفاء لا تستطيع طرح أسئلة وجودية وواقعية مُضنية، أو مساءلة الدولة حول المسار الحقوقي، فان اتباع ذلك بأساليب التشيء والتبخيس، ليؤدي إلى افراز واقع مرير ومليء بأشباه الدمى؛ أحياء لكنهم لا يبصرون. فالانتقام من مخططات الوزارة لا يعني إطلاقًا التساهل مع الغش أو التطبع مع ممارسيه، لأن للنضال، يا هذا، منافذه الخاصّة التي يجب نهجها بشجاعة دون التواري جزعًا بين الأفكار المريضة.
على المواطن الآن، وبكل جرأة، نشر الوعي بأهمية اكتساب المعرفة ونيل الشهادة بجدارة واستحقاق، بعيدا عن الغش والممارسات المشبُوهة التي تفرز جيل ظمأ أعوج، جيل غير قادر على تدبير المرحلة، بل قد يقود معركة الحياة كلها إلى جرفٍ هارٍ يلتهمُ الأخضر واليابس. فمستقبل المتعلم وطريق نجاحه يبتدئ تحديدا من صناعة هذا الوعي الواعد وزرعه بسَلاسة في أذهان الناشئة، بعيدا عن السفسطائية المخزنية/ والمدنية الزائفة.