“إنه غيور”، “إنها غيورة”
أي أهل لم يلفظوا هذه الجملة في حياتهم ؟ الغيرة بين الأخوة هي شعور قديم قدم العالم. إنها إحدى أول المشاعر التي يختبرها الولد عندما يكتشف أنه ليس الحب الوحيد لأمه.
لكنه أيضاً شعور يتطور ويتكيف ويصاحبنا كل حياتنا. ويمكن أن يطفو على السطح في مختلف لحظات تاريخنا بشكل أقل أو أكثر حدة : تغص مكاتب كتّاب العدل بقصص الغيرة التي لم تهضم والتي تفجرت عند الأخوة والأخوات في نزاعات الورثة لحظة وفاة الأهل.
الغيرة شيء معقد ومركب ولا نستطيع أن نخفيها؛ إنها جزء منا، حتى ولو كانت مقموعة بقوة، مختبئة تحت غطاء ثقافي وروحي وعقلاني. على كل حال، إنها ليست “شيئاً سيئاً”.
مع أن الغيرة اعتبرت لوقت طويل شعوراً مخجلاً يجب قمعه، لكنها اليوم معفية من أي حكم أخلاقي. يعتبرها علماء النفس اليوم شعوراً”طبيعياً”، لا يمكن تجنبه. يجب أن يعبّر عن نفسه بدون خجل. حتى أننا اكتشفنا، على ضوء التحليل النفسي، أن له فوائد إيجابية.
هذا الشعور الأولي في الكائن البشري، الذي يظهر منذ اللحظة التي تهتم فيها الأم بأحد غير طفلها، يساعده على الخروج من ثنائي الأم-الولد من أجل التعرف على الآخرين. الشخص الأول الذي يخربط هذه الثنائية هو الأب، لكن ولادة أخ أو أخت يفعّلها. وفي نفس الوقت، إنها تعطي فرصة جديدة لتخطي هذا الشعور الحصري بالحب الأمومي.
إنه أمر صعب بالنسبة لولد أن يفهم أن أمه يمكن أن تحبه وتحب في نفس الوقت أحداً آخر غيره، لكن أغلب الأولاد ينجحون في عبور هذه التجربة.
يجمع المعالجون النفسيون على نصيحة الأهل بترك الولد يعبّر عن غيرته لا أن يكبحها. من المهم أن يستطيع الأولاد الإفصاح عن غيرتهم بدون أي حكم سلبي من الأهل. ندعو الأهل إلى استكشاف الغيرة عند أولادهم التي تتنكر في هذه “العناقات” التي تكاد تخنق أخيهم الصغير، أو في مظاهر “التقهقر” المعروفة جيداً من أطباء الأطفال.
بدل أن تقولوا للولد الغيور : يجب أن تحب، من الأفضل أن تقولوا له : تكلم معي عن مشاعرك السيئة، حتى لا تنطبع في نفسيته هذه المشاعر السلبية.
السؤال يبقى أن نعرف لأي حدود يمكن أن نترك هذه الغيرة تعبّر عن نفسها. لأن هذه المشاعر تكون مطبوعة غالباً بعنف متطرف. طفل عمره 4 سنوات يمكن أن يحاول خنق أخيه الصغير؛ يمكن أن يفكر “أريد أن تموت”، ويقولها. يمكننا عندها أن نساعد الولد على الذهاب إلى آخر هذه الفكرة. الأخوة تعني تقبّل هذا الجانب من العنف الموجود في داخله، وتقبّل هذا الجانب يساعده على عدم تطبيقه.
لكن من الصعب جداً على الولد أن يعترف بكراهيته : الأخوة والأخوات يبذلون طاقة رهيبة من أجل قمع هذه الكراهية. هذا هو الدرس الذي تعلّمنا إياه الأساطير : الاعتراف بالجريمة الأخوية لكي لا نعود إلى لعبها. يجب أن نحول هذه الكراهية إلى رمز لكي لا نرتكبها.
بقول آخر، بعض الأولاد عليهم أن “يسحقوا” أخاهم أو أختهم في المعجون الذي يشكلونه في عيادة الطبيب النفسي لكي يتجنبوا فعل هذا في الحياة الحقيقية. وهذا ليس سهلاً التحكم به، لأنه إذا كان على الأهل عدم اجتناب الغيرة، فعليهم بالتأكيد أن يضعوا حدوداً : احترام سلامة الآخر، عدم أذيته ولا جرحه، الحرص على ألا يتعدى على حدود الآخر، ولكن غالباً بين الأخوة، هناك دائماً ولد يفعل ذلك.
قد تكون الغيرة مدمرة عندما تقود إلى الضياع في الصراعات والشكوى بلا نهاية بدل تطوير وتنمية ما لدى الولد.
يبقى أيضاً، مع أن الغيرة “شيء عادي”، فهي ليست هدفاً بحد ذاتها. إنها بكل بساطة عملية عبور، اختبار. وإذا كان من المهم أن نعرفها، فهو لكي نستطيع أن نتجاوزها. لأنها ستوصلنا إلى ضرورة إفساح المجال للآخر. لكي نتعلم السماح للآخر بالوجود، لنتعلم احترامه واحترام اختلافه عنا. ما يقوي روابط الأخوة هو تعلّم إيثار الغير.
وأنتم، كيف تتصرفون مع غيرة أولادكم وشجاراتهم ؟
انتظروا المقالة التالية " من الخطأ أن نعامل أولادنا بشكل متساوٍ !! إليكم ما يقوله علماء النفس…"
عن موقع إي فراشة