بقلم الأستاذ محسن زردان - كاتب ومهتم بشؤون المعرفة
أرباب المقاولات ورجال الأعمال، لم يعد يقتصر تأثيرهم على السياسة وحدها، بل تعداه إلى المدرسة، من خلال فرض تصوراتهم حول المهمة الجديدة لوظيفة المدرسة، لتصبح أداة في يد الاقتصاد وسوق الشغل لقولبة المتعلمين وفق متطلبات مهنية صرفة، ففقهاء الاقتصاد والمؤسسات المالية، صارت لهم اليد الطولى في توجيه سياسات النظم التعليمية، فنقلوا معادلاتهم من جبر وهندسة لصياغة نظريات اقتصادية ذات طبيعة تقنية صرفة، تستجيب لمهن سوق مصانع السيارات والطائرات والطاقات المتجددة (...).
يبدو واضحا اليوم أن سوق الشغل يعد كمؤشر قوي في اقتصاديات الدول الحديثة، فقطاعات كالصناعة والفلاحة والتجارة والخدمات في سباق محموم مع الزمن لخلق أكبر عدد من فرص العمل لشعوبها، لعلها تبعد عنهم شبح البطالة، الذي يولد البؤس والثورات ويسقط الأنظمة السياسية من عرينها، وبالتالي الكل أصبح خاضعا لتلبية حاجيات هذه السوق.
إذا كان التعليم والمعرفة قديما، يلامس أكثر شريحة النخب المثقفة والميسورة، حتى أن الحرف كان ينظر إليها بازدراء، كما هو الشأن في فترة الحضارة الإغريقية، حيث الحرف كانت مرتبطة بشريحة العبيد، في حين أن الاشتغال على المعرفة والتأمل كان حكرا على علية القوم من النبلاء، غير أن هذا الوضع بدأ يأخذ منحا مؤسساتيا رسميا، ليشمل قوانين وأنظمة المؤسسات التعليمية التي بدأت تتخذ من المهن كوسيلة للخلاص بالنسبة للمتعلم.
بلادنا بدورها انخرطت في ذلك تدريجيا، فقد أُدمجت وزارتا التكوين المهني و التربية الوطنية، في بوتقة وزارة واحدة، كمكون مشترك، يؤدي إلى توحيد الرؤية في المدخلات والمخرجات.
هذا الأمر برز جليا في مقتضيات رؤية الإصلاح الإستراتيجية في أفق (2015-2030)، من خلال دمج التعليم العام والتكوين المهني في مختلف المستويات التعليمية للاندماج بسهولة ويسر وفق حاجيات سوق الشغل المهنية، سيبدأ من القاعدة بالتعليم الابتدائي عبر مسارات اكتشاف المهن عن طريق إدماج الأنشطة التطبيقية والمحتويات البيداغوجية الخاصة باكتشاف المهن في السيناريوهات البيداغوجية، مرورا عبر إدماجها بشكل تدريجي في مرحلة الإعدادي، وصولا إلى إرساء الباكالوريا المهنية بناء على اختيارات المتعلمين لعديد التخصصات المرتبطة بسوق الشغل، مستعينة بمنظومة التوجيه التربوي التي تكرس جهدها لتوجيه المتعلمين بناء على خطة وطنية لدمجهم في التكوين المهني.
قد يكون من حسنات هذه السياسة خلق نوع من التنوع في مسارات التعلم، وتوسيع الإمكانات لدى المتعلمين لاختيار شعب مهنية وتقنية، خصوصا وأن نسبة مهمة من المتعلمين، قد لا تجد ذاتها ولا ميولاتها في التعليم النظري، فضلا عن التمكن من ربط المدرسة بمحيطها الاقتصادي، وهذا ما تجلى في عقد الباطرونا أو رجال الأعمال والمقاولات في المغرب لشراكات مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من أجل خلق تخصصات معينة، يحتاجها سوق الشغل، علما أن مجموع الاستثمارات الأخيرة التي حطت بتراب المملكة، المتعلقة بالأخص بصناعة السيارات والطائرات، كانت بدورها من بين العوامل التي دفعت السياسة الحكومية في هذا الاتجاه.
من جهة أخرى، يمكن القول بأن وثيرة إنزال هذه الإجراءات في اتجاه دمج التعليم العام بالتكوين المهني، تبدو وكأنها سريعة، بل نزعم أنها متسرعة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مجال التعليم وحيويته الإستراتيجية، التي تتطلب التشاور وإجماع كل الفاعلين الأساسيين ، من آباء وأولياء التلاميذ، والمشتغلين في القطاع، إضافة إلى خبراء التربية والاقتصاد والسياسة، لكون أي مشروع تعليمي تربوي، يتطلب استراتيجية مندمجة واضحة المعالم للبلد، حيث سيرهن مستقبل فلذات أكباد المغاربة وسيمتد تأثيره لعقود قادمة، وبالتالي فالمغرب، هل سيكون مؤهلا لإنجاح هذه الاسترتيجية، بحيث وفر لها الإمكانات والبنيات التحتية والاقتصادية التي ستستوعب هذه الأفواج من الشباب المغاربة الخريجين؟ ماذا لو انسحبت الشركات الاستثمارية الدولية من المغرب، تحت أي ظرف من الظروف؟ هل ستكون للدولة بدائل لتشغيل ذلك الشباب؟
يرى المتتبعون لمجريات سياسة التشغيل في المغرب، أن الشركات الاستثمارية التي حطت رحالها بالمغرب، تنهج سياسة انتقائية واقصائية لليد العاملة والكفاءات المغربية، فهي تشغل في الغالب الأيادي العاملة التقنية المتخصصة، في حين يجد المهندسون صعوبات بالغة في إيجاد فرص الشغل، حيث تتكفل تلك الشركات باستيراد مهندسيها ومدرائها من الخارج، وهو شيء يطرح أسئلة عدة، فهل المغرب وقع شيك على بياض لهذه الشركات مقابل ولوجها تراب المملكة؟ ولم يفرض شروطه من أجل الحفاظ على مصلحة الأيادي العامل الوطنية؟
قد تبدو سياسة توجه المدرسة المغربية نحو التكوين المهني منطقية، إذا ما تم ربطها بالسياق الاقتصادي الدولي،الساعي إلى تنمية سوق الشغل، لضمان دخل فردي للمواطنين، يساهم في تحريك عجلة الاستهلاك، وتلبية حاجيات الأفراد والمجتمعات، فضلا عن إنقاذ المتعلمين، الذين تركوا صفوف الدراسة مبكرا، من خلال ولوجهم لإحدى المسارات المهنية عوض أن يكونوا عرضة للشارع، لكن ذلك يسير في اتجاه إنتاج أجيال جديدة متشبعة بتكوين وتعليم تقني مهني وحرفي جاف وجامد، قد تكون له تداعيات على صلب الشخصية الإنسانية، ويجعل تفكيرها ينصب على الجانب المادي المحض، لجلب الثمار والمنافع المالية، على حساب بناء الوعي والمعرفة والثقافة النقدية.
في السياق ذاته، فمسألة التركيز على توجيه التعليم إلى التكوين المهني، قد يضرب في العمق وظيفة التعليم الأساسية والسامية، في توعية الإنسان وإنتاج نخب مثقفة على درجة عالية من المعرفة، متشبعة بالفكر المتنور و النقدي والإبداعي، الذي تبدو المجتمعات الحالية في حاجة ماسة إليه، خصوصا مع ازدياد وثيرة التزمت والتشدد باسم الأديان والمعتقدات، حيث تشير الدراسات إلى أن أسلوب الأبيض أو الأسود الذي يتبناه الفكر الارهابي، يتطلب في الغالب عقلية ذات تكوين تقني وهندسي، الشيء الذي يبتعد عن فكر الوسطية والاعتدال في رؤية الأمور، وطرح التساؤلات.
هذه السياسة الجديدة، قد تعني بداية محاصرة الآداب و العلوم الإنسانية، التي بدأت تصوب نحوها سهام النقد حتى الرسمي، باعتبارها علوم نظرية تفرخ بطالة الشباب، في اتجاه تبني الفكر المقاولاتي، الذي يستوحي أسسه من الاتجاهات النفعية البراغماتية، وهذا ما نلمسه في دول الاقتصاديات المتقدمة، كما هو الشأن في اليابان حيث تم حذف شعب العلوم الإنسانية من الجامعات باعتبارها علوما غير نافعة ولا تلبي حاجيات الاقتصاد والمجتمع.
عندما نتطرق إلى مسألة تحقيق النمو الاقتصادي في المجتمعات، التي تسعى للرقي بمواطنيها إلى أفق الرخاء والعلم والمعرفة، فإن ذلك لا يقتصر فقط على مستوى التمكن من العلوم المهنية التقنية، بل يشمل بالضرورة الاهتمام بشؤون الثقافة والفكر، الذي يبقى حجر الزاوية في نسج مخيلة العلماء والمبدعين، لإنتاج الأفكار، التي هي أصل الاختراع، فالفكرة تأتي بالمال، لكن المال لا يأتي بالفكرة.
نخاف أن تجد هذه التجربة الجديدة نفسها في دوامة أسئلة ذات أفق غامض، شبيهة بتجربة الثانويات التقنية، التي كانت تسعى مراميها في نفس الاتجاه، لكنها إلى حدود الساعة، لم تشمل تجربتها سياسة تقويمية علمية في مدى نجاحها من فشلها.
كما نخاف من أن يكون هذا التوجه الجديد ، بوابة قد يدخل منها مناصرو التدريس بالدارجة، على اعتبار أن تدريس المهن لا يتطلب لغة عربية فصيحة، بقدر لغة مبسطة أقرب إلى اللغة العامية المستعملة التي يتحدث بها عموم الناس، مما يجعل هذا التوجه حصان طروادة لهدم ما تبقى من لغة الضاد على حساب لغات أخرى.
على صعيد آخر، تطرح جدلية من يخدم الآخر، هل المدرسة هي في خدمة الاقتصاد، أم هذا الأخير في خدمة المدرسة، تبدو المؤشرات في سياقاتها الدولية تميل إلى الخيار الأول، مادام أن مالكي الإمبراطوريات من الشركات الاقتصادية، هم الذين ينجحون في الوصول إلى الحكم، حتى في أعتا الإمبراطوريات الديمقراطية كما هو الأمر حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن النخب المثقفة بدأت تنسحب تدريجيا من مواقع إنتاج القرار.
أرباب المقاولات ورجال الأعمال، لم يعد يقتصر تأثيرهم على السياسة وحدها، بل تعداه إلى المدرسة، من خلال فرض تصوراتهم حول المهمة الجديدة لوظيفة المدرسة، لتصبح أداة في يد الاقتصاد وسوق الشغل لقولبة المتعلمين وفق متطلبات مهنية صرفة، ففقهاء الاقتصاد والمؤسسات المالية، صارت لهم اليد الطولى في توجيه سياسات النظم التعليمية، فنقلوا معادلاتهم من جبر وهندسة لصياغة نظريات اقتصادية ذات طبيعة تقنية صرفة، تستجيب لمهن سوق مصانع السيارات والطائرات والطاقات المتجددة (...).
يبدو واضحا اليوم أن سوق الشغل يعد كمؤشر قوي في اقتصاديات الدول الحديثة، فقطاعات كالصناعة والفلاحة والتجارة والخدمات في سباق محموم مع الزمن لخلق أكبر عدد من فرص العمل لشعوبها، لعلها تبعد عنهم شبح البطالة، الذي يولد البؤس والثورات ويسقط الأنظمة السياسية من عرينها، وبالتالي الكل أصبح خاضعا لتلبية حاجيات هذه السوق.
إذا كان التعليم والمعرفة قديما، يلامس أكثر شريحة النخب المثقفة والميسورة، حتى أن الحرف كان ينظر إليها بازدراء، كما هو الشأن في فترة الحضارة الإغريقية، حيث الحرف كانت مرتبطة بشريحة العبيد، في حين أن الاشتغال على المعرفة والتأمل كان حكرا على علية القوم من النبلاء، غير أن هذا الوضع بدأ يأخذ منحا مؤسساتيا رسميا، ليشمل قوانين وأنظمة المؤسسات التعليمية التي بدأت تتخذ من المهن كوسيلة للخلاص بالنسبة للمتعلم.
بلادنا بدورها انخرطت في ذلك تدريجيا، فقد أُدمجت وزارتا التكوين المهني و التربية الوطنية، في بوتقة وزارة واحدة، كمكون مشترك، يؤدي إلى توحيد الرؤية في المدخلات والمخرجات.
هذا الأمر برز جليا في مقتضيات رؤية الإصلاح الإستراتيجية في أفق (2015-2030)، من خلال دمج التعليم العام والتكوين المهني في مختلف المستويات التعليمية للاندماج بسهولة ويسر وفق حاجيات سوق الشغل المهنية، سيبدأ من القاعدة بالتعليم الابتدائي عبر مسارات اكتشاف المهن عن طريق إدماج الأنشطة التطبيقية والمحتويات البيداغوجية الخاصة باكتشاف المهن في السيناريوهات البيداغوجية، مرورا عبر إدماجها بشكل تدريجي في مرحلة الإعدادي، وصولا إلى إرساء الباكالوريا المهنية بناء على اختيارات المتعلمين لعديد التخصصات المرتبطة بسوق الشغل، مستعينة بمنظومة التوجيه التربوي التي تكرس جهدها لتوجيه المتعلمين بناء على خطة وطنية لدمجهم في التكوين المهني.
قد يكون من حسنات هذه السياسة خلق نوع من التنوع في مسارات التعلم، وتوسيع الإمكانات لدى المتعلمين لاختيار شعب مهنية وتقنية، خصوصا وأن نسبة مهمة من المتعلمين، قد لا تجد ذاتها ولا ميولاتها في التعليم النظري، فضلا عن التمكن من ربط المدرسة بمحيطها الاقتصادي، وهذا ما تجلى في عقد الباطرونا أو رجال الأعمال والمقاولات في المغرب لشراكات مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من أجل خلق تخصصات معينة، يحتاجها سوق الشغل، علما أن مجموع الاستثمارات الأخيرة التي حطت بتراب المملكة، المتعلقة بالأخص بصناعة السيارات والطائرات، كانت بدورها من بين العوامل التي دفعت السياسة الحكومية في هذا الاتجاه.
من جهة أخرى، يمكن القول بأن وثيرة إنزال هذه الإجراءات في اتجاه دمج التعليم العام بالتكوين المهني، تبدو وكأنها سريعة، بل نزعم أنها متسرعة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مجال التعليم وحيويته الإستراتيجية، التي تتطلب التشاور وإجماع كل الفاعلين الأساسيين ، من آباء وأولياء التلاميذ، والمشتغلين في القطاع، إضافة إلى خبراء التربية والاقتصاد والسياسة، لكون أي مشروع تعليمي تربوي، يتطلب استراتيجية مندمجة واضحة المعالم للبلد، حيث سيرهن مستقبل فلذات أكباد المغاربة وسيمتد تأثيره لعقود قادمة، وبالتالي فالمغرب، هل سيكون مؤهلا لإنجاح هذه الاسترتيجية، بحيث وفر لها الإمكانات والبنيات التحتية والاقتصادية التي ستستوعب هذه الأفواج من الشباب المغاربة الخريجين؟ ماذا لو انسحبت الشركات الاستثمارية الدولية من المغرب، تحت أي ظرف من الظروف؟ هل ستكون للدولة بدائل لتشغيل ذلك الشباب؟
يرى المتتبعون لمجريات سياسة التشغيل في المغرب، أن الشركات الاستثمارية التي حطت رحالها بالمغرب، تنهج سياسة انتقائية واقصائية لليد العاملة والكفاءات المغربية، فهي تشغل في الغالب الأيادي العاملة التقنية المتخصصة، في حين يجد المهندسون صعوبات بالغة في إيجاد فرص الشغل، حيث تتكفل تلك الشركات باستيراد مهندسيها ومدرائها من الخارج، وهو شيء يطرح أسئلة عدة، فهل المغرب وقع شيك على بياض لهذه الشركات مقابل ولوجها تراب المملكة؟ ولم يفرض شروطه من أجل الحفاظ على مصلحة الأيادي العامل الوطنية؟
قد تبدو سياسة توجه المدرسة المغربية نحو التكوين المهني منطقية، إذا ما تم ربطها بالسياق الاقتصادي الدولي،الساعي إلى تنمية سوق الشغل، لضمان دخل فردي للمواطنين، يساهم في تحريك عجلة الاستهلاك، وتلبية حاجيات الأفراد والمجتمعات، فضلا عن إنقاذ المتعلمين، الذين تركوا صفوف الدراسة مبكرا، من خلال ولوجهم لإحدى المسارات المهنية عوض أن يكونوا عرضة للشارع، لكن ذلك يسير في اتجاه إنتاج أجيال جديدة متشبعة بتكوين وتعليم تقني مهني وحرفي جاف وجامد، قد تكون له تداعيات على صلب الشخصية الإنسانية، ويجعل تفكيرها ينصب على الجانب المادي المحض، لجلب الثمار والمنافع المالية، على حساب بناء الوعي والمعرفة والثقافة النقدية.
في السياق ذاته، فمسألة التركيز على توجيه التعليم إلى التكوين المهني، قد يضرب في العمق وظيفة التعليم الأساسية والسامية، في توعية الإنسان وإنتاج نخب مثقفة على درجة عالية من المعرفة، متشبعة بالفكر المتنور و النقدي والإبداعي، الذي تبدو المجتمعات الحالية في حاجة ماسة إليه، خصوصا مع ازدياد وثيرة التزمت والتشدد باسم الأديان والمعتقدات، حيث تشير الدراسات إلى أن أسلوب الأبيض أو الأسود الذي يتبناه الفكر الارهابي، يتطلب في الغالب عقلية ذات تكوين تقني وهندسي، الشيء الذي يبتعد عن فكر الوسطية والاعتدال في رؤية الأمور، وطرح التساؤلات.
هذه السياسة الجديدة، قد تعني بداية محاصرة الآداب و العلوم الإنسانية، التي بدأت تصوب نحوها سهام النقد حتى الرسمي، باعتبارها علوم نظرية تفرخ بطالة الشباب، في اتجاه تبني الفكر المقاولاتي، الذي يستوحي أسسه من الاتجاهات النفعية البراغماتية، وهذا ما نلمسه في دول الاقتصاديات المتقدمة، كما هو الشأن في اليابان حيث تم حذف شعب العلوم الإنسانية من الجامعات باعتبارها علوما غير نافعة ولا تلبي حاجيات الاقتصاد والمجتمع.
عندما نتطرق إلى مسألة تحقيق النمو الاقتصادي في المجتمعات، التي تسعى للرقي بمواطنيها إلى أفق الرخاء والعلم والمعرفة، فإن ذلك لا يقتصر فقط على مستوى التمكن من العلوم المهنية التقنية، بل يشمل بالضرورة الاهتمام بشؤون الثقافة والفكر، الذي يبقى حجر الزاوية في نسج مخيلة العلماء والمبدعين، لإنتاج الأفكار، التي هي أصل الاختراع، فالفكرة تأتي بالمال، لكن المال لا يأتي بالفكرة.
نخاف أن تجد هذه التجربة الجديدة نفسها في دوامة أسئلة ذات أفق غامض، شبيهة بتجربة الثانويات التقنية، التي كانت تسعى مراميها في نفس الاتجاه، لكنها إلى حدود الساعة، لم تشمل تجربتها سياسة تقويمية علمية في مدى نجاحها من فشلها.
كما نخاف من أن يكون هذا التوجه الجديد ، بوابة قد يدخل منها مناصرو التدريس بالدارجة، على اعتبار أن تدريس المهن لا يتطلب لغة عربية فصيحة، بقدر لغة مبسطة أقرب إلى اللغة العامية المستعملة التي يتحدث بها عموم الناس، مما يجعل هذا التوجه حصان طروادة لهدم ما تبقى من لغة الضاد على حساب لغات أخرى.
على صعيد آخر، تطرح جدلية من يخدم الآخر، هل المدرسة هي في خدمة الاقتصاد، أم هذا الأخير في خدمة المدرسة، تبدو المؤشرات في سياقاتها الدولية تميل إلى الخيار الأول، مادام أن مالكي الإمبراطوريات من الشركات الاقتصادية، هم الذين ينجحون في الوصول إلى الحكم، حتى في أعتا الإمبراطوريات الديمقراطية كما هو الأمر حاليا بالولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن النخب المثقفة بدأت تنسحب تدريجيا من مواقع إنتاج القرار.