حوار صدر بيومية المساء العدد 3137 يوم الثلاثاء 15 نونبر2016 الصفحة التربوية(21) حول إصلاح الحقل الديني المدرسي ، أجراه الصحافي السيد الحسن بنعيادة
الأستاذ الأكرمين تحية لك وعلى استضافتنا في هذا الحوار المفتوح:
1/دعا جلالة الملك محمد السادس إلى مراجعة و برامج تدريس مادة التربية الإسلامية في مجموع المستويات الدراسية عقب تقديم الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية و التكوين و البحث العلمي 2015 - 2016 في مدينة العيون، في نظركم ما هي سياقات المراجعة لبرامج وكتب التربية الاسلامية؟
نعم، لم يكن سياق إصلاح مكون التربية الإسلامية بالمدارس المغربية وليد ترف تربوي منهجي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، بل له سلطة أوامر من أعلى هرم بالمملكة، حيث طلب الملك بصفاته الدستورية وفي مقدمتها الدينية "أمير المؤمنين " من الحكومة بمراجعة مناهج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم المغربي. من تم يحدث لنا تواتر السياق من أن تجديد الحقل الديني بالمدارس المغربية كان أمرا لازما على فتح ملف تطوير وتنقيح البرامج والمقررات الدراسية لمكون التربية الإسلامية.
لكن، ذكرنا للسياق العام الداخلي لن ينفك أن تكون له روابط أهداب أفقية عالمية، مع متسع السوق الكونية التي تسوق عولمة القيم وبدون تأشيرة دخول، وبصيغة قوة التحدي الغربي.
فلن نخوض بالتفصيل في المظاهر والظواهر التي أنتجتها وتنتجها مشاتل الإسلام السياسي الراديكالي، ولكن نقر الاعتراف بأن اليقظة (النهضة) العربية الإسلامية قد أخفقت بالتمام الكامل في تجفيف والحد من مخرجات مظاهر العنف، والتطرف في الفكر والسلوك إلى حد (داعش) بإسم الإسلام السياسي. وللتذكير المطلق فنحن لن نختلف البتة بالحكم عن كل مظاهر البدع (الخوارج الجدد) أنها لا تمثل بتاتا الدين السمح، والتعايش السلمي الذي سنه الإسلام بالوجوب ضمن حوض أمة دار الإسلام، وضمن البعد العالمي والكوني للإسلام.
2/في نظركم ما هي العوامل التي سرعت بتفعيل رؤية المراجعة و الإصلاح لمكون التربية الإسلامية والحقل الديني التربوي بالمؤسسات التعليمية بصفة عامة ؟ و هل يمكن القول أن التطرف الديني يعتبر السبب الأساسي لهذا الإصلاح؟
هناك عدة عوامل ميكانيكية، سواء منها الداخلية والخارجية، سرعت عملية تفعيل رؤية الإصلاح لمكون التربية الإسلامية بالمستعجل، لكننا اليوم نشهد إشهاد اليقين أن كل التوليفات الإصلاحية التي خضعت لها برامج التربية الإسلامية ومنهاجها، كانت وليدة تجميعية من التضادات المذهبية والفكرية والسياسية والاجتماعية. ولنا في السند التاريخي عبرة، فعندما تقوى عود الفلسفة في سبعينيات القرن الماضي، ونما الفكر السياسي اليساري الجذري، تم تلجيم فم الفلسفة بالجامعات المغربية، بخلق شعب الدراسات الإسلامية وتقوية مسارات شعب الشريعة الإسلامية. الآن، رياح الحركات الإسلامية -الإسلام السياسي الراديكالي- تعصف وتشتد اشتعالا في نقط معلومة من خريطة الدول الإسلامية، هنا سيتدخل الفكر السياسي والاجتهاد المذهبي المغربي في إعادة استقراء مواضيع تجديد رؤية المقاصد الشرعية بالمدارس المغربية.
إنها المهام السبقية للحفاظ على الهوية الوطنية بالتميز السمح تجاه كل اختلاف ديني ومذهبي. وجعل المدرسة المغربية تعمل بالأساس على ترسيخ القيم الدينية السامية بتلاقح وفي مع المنتوج الكوني (الحرية،الكرامة،العدل،مقاربة الإنصاف و النوع، إشكالية المساواة....)، إنها الرؤية الاستشرافية لمدرسة تكرس حب الوطن وروح المواطنة، مدرسة التشبع بروح الحوار وقبول الاختلاف، مدرسة تتأسس على قيم العقيدة الإسلامية المبنية على الوسطية والاعتدال والتسامح.
3/ لكل إصلاح مؤشرات ناظمة ، فما هي أهم التوليفات التوجيهية التي ارتكز عليها إصلاح الحقل الديني المدرسي؟
أولى الملاحظات التوليفية في تحليلنا، والتي تم ترسيمها ضمن مخطط رؤية إصلاح حقل التربية الإسلامية في المدارس المغربية، تتأسس على محورين اثنين، الأول التشبث بمقومات هوية الأمة الموحدة، ضمن ثوابت اختيارات المغاربة للمذهب المالكي و تبني العقيدة الأشعرية، والتصوف السني تحت مظلة ترتكز على ترقية النفس في مدارج السلوك، بما يظهر في إعمال التضامن والتكافل وحب الخير للذات والغير، والحلم والتسامح ومخاطبة الوجدان والقلوب بما ينفعها ويقومها.
هو إذا، مسلك اختيار وطني سيبعد عن درس التربية الإسلامية ضمن الحوض التربوي للمؤسسات المدرسية المغربية كل منافذ أحكام الاستنباط الخلافي (الكلي أو الجزئي) للمذاهب الإسلامية ، ولفرق الحركات الإسلامية الصغرى أو الكبرى. هنا نقر إقرار اليقين توحيد نسق التحدث للمتعلم بلسان موحد، وأحكام مضبوطة لا خلاف فيها، ولا جدال ديني يصيبها.
فيما الموجه الثاني، فهو يستند إلى مؤشر خلق كيس أمان واق من صدمات الأحداث والوقائع المريعة التي نعايشها بالسماع والصورة الإعلامية بربوع خريطة دار الإسلام . إنه مؤشر إحلال رؤية الأمان الروحي السليم للتلميذ المغربي من كل شظايا الإسلام السياسي الراديكالي. إنه مؤشر التزكية الروحية التي ترتقي بالمتعلم إلى الصفوة الخالصة لتدبير قيم التسامح عبر قنوات الحوار الحضاري الكوني، وقبول مبدأ الاختلاف، وإلى إكساب المتعلم آليات حصانة الاقتداء السليم المرتبط بأثر السلف، ضمن ناظم (ديني/دنيوي) يستند على مدخل روح الإصلاحات الدستورية المغربية.
4/غير أن الكتب المدرسية للمادة عرفت تعثرا كبيرا مع بداية الموسم الدراسي الحالي، و إلى غاية اليوم فما هي أسباب تأخر الكتاب المدرسي و كيف يمكن تجاوزها ؟
لنعد، ونبيت نية الإدلاء بالرأي، والرأي المضاد في تنزيل رؤية إصلاح الحقل الديني التربوي بالمدرسة المغربية. هنا ستواجهنا عدة فجوات شكلية، سواء في وصف الظرفية الاستعجالية للتنزيل، والمدة القصيرة التي واكبت عملية ترميم وتجديد المقررات والبرامج المدرسية لمكون التربية الإسلامية، وفي القفز العلوي عن تجربة العمل التعاقدي وفق المقاربة التفاعلية / التصاعدية لكل موجهات الإصلاح التربوي .
فالفتح المبين لكل عمليات مواكبة إصلاح وتجديد منهاج وبرامج التربية الإسلامية، تزامنت أسباب نزوله والعطلة الصيفية، والتدبير المرحلي للانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر، ولا نعلم علم اليقين من ساهم في إنتاج المقررات المنقحة، وعن بنود دفتر التحملات المخصص لعملية التجديد.
من تم نتساءل بحق، عن من ساهم في عمليات التنقيح و تسنين الموجهات الكبرى لمكون التربية الإسلامية، نتساءل عن المؤشرات الكبرى والوسطية في أفق متم رؤية الإصلاح 2030، نتساءل لما استهدف مكون التربية الإسلامية بالإصلاح الكلي دون المكونات التعليمية الأخرى، والتي نشهد أنها لا زالت لم تبرح مكانها ضمن خطة التدابير ذات الأولية .
لكل منا جوابه المقنع عن كل تساؤلات السياق والمرتكزات، لكننا نؤمن بالقطع أن التحولات المجالية الوطنية والعالمية، لها سلطة اليد العليا في التعجيل بإصلاح مقررات ومناهج مكون الحقل الديني المدرسي بسرعة الأرقام القياسية. لكن، الأمل في أن تكون مؤشرات إصلاح الحقل الديني التربوي المدرسي أكثر وثوقية بنتائج الجودة القادمة ، وبثقة تامة في تكوين مواطن مغربي يعتبر الدين سلوكا، والعبادة تقربا إلى الذات الإلهية، والتسامح مهارة حياتية ، والقسط حكامة .
فيما إكراهات تأخر خروج الكتب المدرسية من المطابع، فالأمر يستند إلى مسلك الاستعجال الذي أصبح يستعمر كل القرارات الإصلاحية.
5/ ما هو الجديد الذي حمله مخطط إصلاحا مادة التربية الإسلامية ؟
بعد أن استحضرنا سياق الإصلاح الرئيسة للحقل الديني المدرسي، والتي أصبحت معلومة لدينا بأثر النقل والتواتر. وبعد أن كشفنا سر شفرة الترميز المضمر عن بعض روافد قنوات السياق العالمي، وحسبنا قوة الدفع الخارجي (التحدي الغربي ) بأعداد رياضية مضاعفة عن واقع دوافع حاجيات الإصلاح الداخلي لمكون التربية الإسلامية. خلصنا بصريح العلة السببية أن التعجيل السريع في إصلاح الحقل الديني المدرسي كانت بؤرته التوترية الأحداث (الداعشية) بدار الإسلام المشرقي. وجدنا كذلك أن التوصيات الغربية بسلطة الدعم المالي المرهون بالإملاءات تنزل علينا كمطرقة حداد على عين حمئة.
لنعد لزاما بحديثنا لفعل الأجرأة الميدانية لكنانيش مكون التربية الإسلامية المنقحة، وندق أبواب الفصل الدراسي، ونقتعد مكانا يسمح لنا بالملاحظة الصفية اللصيقة لكل مكونات مجتمع القسم، ووسائل تمرير معلومات إرساليات (التزكية،الاقتداء،الاستجابة، القسط،الحكمة).
أول ملاحظاتنا هي الحلة الشكلية للكتب الجديدة المنقحة، والجودة في الطبع والعرض الترتيبي للمعلومة المراد التعامل معها من قبل المتعلمين . فيما الصور المصاحبة للدروس كأسناد ملحقة فقد روعي فيها عدة معطيات سيميائية، على أساس أن الرسالة البصرية التي تسوقها نحو المتعلم تختزل مادة قارة ومثبتة في أشكال رؤيتها الهندسية، وكذلك من خلال نقلها من الحالة الجامدة إلى دلالات إنسانية متحركة الحياة. فأصبحت الصورة في الكتب المنقحة تنقل لنا عينات من أنماط التشكلات المجالية للمجتمع. هنا نقر برمزية الصورة (المرأة وهي مكشوفة الرأس / المرأة وهي محجبة ...) فهي تروم إلى توسيع طاقة رؤية الاختلاف المرجعي ، وفي تفتيت النمطية الحياتية بمستويات الانتماء الديني، حينها نقف عن بعد المساواة والانفتاح على الفكر والقيم الإنسانية الكونية، و نشد اليد على مقاربة الإنصاف و النوع، وعن كثلة متحركة من المفاهيم الكونية.
إذا، نعلن بالواضح المكشوف أولا أن الصورة ليست محايدة، ولا بريئة التوارد في قلب غالبية صفحات كتب المتعلم، إنه حديث علم العلامات كفرع من علم النفس الاجتماعي– ( فرديناد دو سوسير Ferdinand de saussure )- الذي دخل إلى مقرراتنا المدرسية (الإسلامية) بغاية التزكية لأبعاد صورة تسوق الانفتاح على المكون الكوني، ويتم الاقتداء بها وفق عوائد الأثر الإيجابي.
6/ بعد الملاحظة الشكلية/ السيميائية للصورة والهندسة الجمالية للمنتوج المنقح والمعدل. إذا ما فتحنا طيات الكتاب المدرسي للتلميذ ، هل هناك من ملاحظات أولية؟
نعم ، بالبدء النظري نستهل قولنا من جانب التوزيع الزمني، حيث حافظ متسع الزمن المدرسي المخصص لدروس التربية الإسلامية على مددها التفصيلية وبزيادة ، بل يمكن القول أن الأحياز الزمنية المخصصة لهذا المكون قد تمططت اتساعا في المستويات الأولى(السلك الابتدائي). وتفردت البرمجة الجديدة على اعتماد أربعة أسابيع لبناء الموارد، وتم تخصيص الأسبوع الخامس للتقويم والدعم ومعالجة كل فجوات التعثر.
هنا نشهد بعلم اليقين أن تراتبية تخطيط زمن التربية الإسلامية أحدث تنافرا مع المكونات الأخرى الناظمة للعمليات التعليمية داخل المدرسة المغربية العمومية، فمكون اللغة العربية مثلا، ينبني على خطة تقسيط مرحلي أربعة مراحل، كل مرحلة مكونة من ست أسابيع متبوعة بأسبوعي للدعم العام و الخاص، و تمرير المراقبة المستمرة بناء على المذكرات الوزارية الإطار المنظمة للفروض المحروسة. وبعدها تفتح بوابة مسار(الأسبوع 7و8 من كل مرحلة) لتوطين نتائج التقويم الجزائي للتلاميذ.
في هذا الشق، الكل يتساءل عن زمن تمرير فروض المراقبة المستمرة في مكون التربية الإسلامية ! هنا نلحظ أن تحقيق التوافق الزمني بين جميع مكونات المنظومة التعليمية، قد أخفق مساره وموعده، وأصبح لزاما البحث عن تكييف تعسفي لتمرير الفروض المحروسة (المادة 18 من المقرر الوزاري رقم:035/16بتاريخ:17 يونيو 2016 الصفحة 11).
فيما الأمر الذي أشكل الإجماع على فهمه بوجهه الجلي، حين تحدثت الوثيقة الوزارية " منهاج التربية الإسلامية " عن التقويم والدعم (ص6)"يتم تقويم مكتسبات المتعلم (ة) في نهاية كل سنة، انطلاقا من وضعية دامجة لمختلف المعارف والمهارات والقيم لجميع مداخل التربية الإسلامية....أما بالنسبة للتقويم التكويني والتقويمات الجزئية (الفروض)...فيقوم حفظ القرآن شفهيا في جميع المستويات...يقوم حفظ القرآن كتابيا ابتداء من السنة الرابعة...".
البينة الأولى التي نلحظها، هي العودة إلى بيداغوجيا الإدماج، حيث تعلن الكفايات المخصصة لكل مستوى دراسي " يكون المتعلم(ة) في نهاية السنة ...قادرا على حل وضعيات مشكلة مركبة ودالة، بتوظيف مكتسباته...". هنا أشكل على كل المتدخلين في الحقل التربوي المدرسي الإفتاء الإفتراضي أو الإستشرافي، هل الإمتحانات الإشهادية وغيرها، تمرر عن طريق وضعيات مشكلة مركبة دالة، تستدمج كل ما اكتسبه المتعلم (ة) من موارد؟ هل يتم احتساب التقويم الشفهي تقويما جزائيا، أم تقويما تكوينيا؟ هل سيكون احتساب نقط فروض مكون التربية الإسلامية على أساس تجميع نقط الفروض (الشفهية+الكتابية) ابتداء من السنة الرابعة ؟. كيف سنقوم متعلما بوضعية مشكلة مركبة دالة في نهاية السنة وهو لم يتدرب بتاتا على كيفية التعامل مع منهجية حل وضعية مشكلة؟ إنها متوالية الدفع إلى الأمام، وحين تتشابك الكبة وتصبح مشكلة، يتم إلغاء الإصلاح بجرة قلم سياسي...
7/ الآن، تم طرح منهاج التربية الإسلامية كمتغير خلخل المفاهيم التقليدية التي سكنت المدرسة المغربية منذ 15سنة، في نظركم ما هي بعض ايجابيات المنتوج الجديد لمكون التربية الإسلامي بالمدارس المغربية ؟
نعم، رغم كل ما قيل من اختلالات وإكراهات، فهناك نقاط بارزة ، ومن بين إيجابيات المتغير هو مراعاة الجانب النوعي في تقديم المواد بدل الكم والتكرار. هو العمل على تقليل العناوين والدروس بشكل يحقق التوازن بين كل العمليات المرحلية والسنوية عموما. المتغير الآخر، هو اعتماد مدخل التدريس بمقاربة الكفايات والتنصيص على مكان الوضعية المشكلة المركبة والدالة ضمن حقل التقويمات الإجمالية. فيما متغير التتبع والضبط فلن يستو ارتكازه إلا من خلال الاعتناء بالتكوين الأساس والمستمر، والاستناد إلى التقويمات المرحلية لكل أجزاء الإصلاح الرئيسية بحدود تغليب رؤية التعديل والتصويب، واستثمار تقارير المجالس التعليمية بالوفاء إلى تفعيل المقاربة التفاعلية التصاعدية.
أما الثابت من الايجابيات فهو التسمية "التربية الإسلامية" والتي خلصتنا من كل نقاش بوليميكي، وجعل الفكر الإصلاحي التجديدي للحقل الديني المدرسي يتوافق مع تصدير دستور المملكة الذي نص على أن" المملكة المغربية دولة إسلامية..." و في فصله الثالث " الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".
. الثابت هو في استهداف مواضيع حديثة، التسامح، الكرامة، الحق، الواجب، الحرية، إنها البوابات التوليفة النسقية بين مرجعية المذهب المالكي(الأركان/ العبادات)،والعقيدة الأشعرية (العقيدة) ، والتصوف السني (القيم/ النفع).
ومن الملاحظات الايجابية كذلك، يبقى النص القرآني حاضرا طيلة كل الأسابيع الأربعة لبناء الموارد، وعند جل الحصص والمواد، فأسناد درس العقيدة وغيرها ينطلق أساسا من النص القرآني ولو حتى باستحضار آيات أخرى بديلة تدعم انطلاقته.
8/ هل هناك من الملاحظات التي تحجم من قوة الفكر الإسلامي السياسي (الراديكالي) و الإسلام الديني الوسطي ؟
نعم، هو سؤال وجيه و ملاحظة رئيسة، وهنا نشير إلى أن أغلب السور القرآنية المقررة هي مكية التنزيل أو تحكي قصص الأنبياء والرسل. و هي في بنيتها العقائدية تستند إلى تعزيز السلم ومواجهة التطرف، وذكر الجنة والنار . فيما يهم منهج تمريرها إلى المتعلم فقد استدعى الأمر الاشتغال على مبدأ الملاءمة وقياس علم الأصول، والمصالح المرسلة مع مجمل مستجدات التحولات الداخلية والعالمية .
وللحقيقة التاريخية فوجهة البحث عن العوامل المؤدية إلى التشيع بالفكر السياسي (الراديكالي) لا يمكن حصرها فقط في الكتب الدينية المدرسية وتنقيتها المنهجية، ولا في البرامج الدينية المقررة، ولا في حاملي رسالة التدريس. بل الأمر أعقد من هذا وذاك، لأن هناك عوامل أخرى بمبدأ التقية تدخل بالتتابع في انتشار بالفكر السياسي الراديكالي . ولنا في اليقظة المستديمة أمان لجيل المستقبل من كل انزلاق فكري سلوكي.
8/ إجمالا، لنتحدث عن ما يمكن أن نختم به حديثنا حول إصلاح الحقل الديني المدرسي ؟
إجمالا، إذا جاز لنا تسمية إصلاح الحقل الديني المدرسي بأحد التسميات القياسية فإنه يحق لنا القول بأنه " إصلاح طنجرة الضغط" . الآن، الإصلاح الاستعجالي للحقل الديني المدرسي تحقق بالتنزيل و الإرساء، واتضحت أسباب نزوله الداخلية والخارجية. لكن لم يتحقق معه مراعاة الانسجام بين المواد الدراسية والتناسق في الامتداد والتقاطع، لم يتحقق معه تحديث محتويات عدة التربية الإسلامية وفق التطور المعلوماتي الحديث(إصدار أقراص مدمجة تضم كتب المتعلم ومراجع الأستاذ(ة)) ، لم يتحقق معه تفعيل الخطة الوطنية الإستراتيجية لمشروع المؤسسة عبر برنامج تعليمي في حلة مشاريع تربوية (مشروع القسم في مكون التربية الإسلامية الإدماجية)، لم يتحقق معه البحث عن تنمية الفكر النقدي لكل مشينات ومظاهر الانحرافات الجانبية عن قيم العقيدة الإسلامية السمحة، لم يتحقق معه استعمال العقل التحصيني من كل الانزلاقات الفكرية والسلوكية نحو حقل الإسلام السياسي الراديكالي.
في الختم لا يسعني إلا بإمدادكم الشكر الموصول على سعة صدركم لسماع ملاحظاتنا الأولية حول إصلاح الحقل الديني المدرسي المغربي تحت مظلة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح بمتم 2030 ، والشكر الموصول الى الصحافي الحسن بنعيادة.
ذ محسن الأكرمين : mohsineelak@gmail.com
الأستاذ الأكرمين تحية لك وعلى استضافتنا في هذا الحوار المفتوح:
1/دعا جلالة الملك محمد السادس إلى مراجعة و برامج تدريس مادة التربية الإسلامية في مجموع المستويات الدراسية عقب تقديم الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية و التكوين و البحث العلمي 2015 - 2016 في مدينة العيون، في نظركم ما هي سياقات المراجعة لبرامج وكتب التربية الاسلامية؟
نعم، لم يكن سياق إصلاح مكون التربية الإسلامية بالمدارس المغربية وليد ترف تربوي منهجي لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، بل له سلطة أوامر من أعلى هرم بالمملكة، حيث طلب الملك بصفاته الدستورية وفي مقدمتها الدينية "أمير المؤمنين " من الحكومة بمراجعة مناهج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم المغربي. من تم يحدث لنا تواتر السياق من أن تجديد الحقل الديني بالمدارس المغربية كان أمرا لازما على فتح ملف تطوير وتنقيح البرامج والمقررات الدراسية لمكون التربية الإسلامية.
لكن، ذكرنا للسياق العام الداخلي لن ينفك أن تكون له روابط أهداب أفقية عالمية، مع متسع السوق الكونية التي تسوق عولمة القيم وبدون تأشيرة دخول، وبصيغة قوة التحدي الغربي.
فلن نخوض بالتفصيل في المظاهر والظواهر التي أنتجتها وتنتجها مشاتل الإسلام السياسي الراديكالي، ولكن نقر الاعتراف بأن اليقظة (النهضة) العربية الإسلامية قد أخفقت بالتمام الكامل في تجفيف والحد من مخرجات مظاهر العنف، والتطرف في الفكر والسلوك إلى حد (داعش) بإسم الإسلام السياسي. وللتذكير المطلق فنحن لن نختلف البتة بالحكم عن كل مظاهر البدع (الخوارج الجدد) أنها لا تمثل بتاتا الدين السمح، والتعايش السلمي الذي سنه الإسلام بالوجوب ضمن حوض أمة دار الإسلام، وضمن البعد العالمي والكوني للإسلام.
2/في نظركم ما هي العوامل التي سرعت بتفعيل رؤية المراجعة و الإصلاح لمكون التربية الإسلامية والحقل الديني التربوي بالمؤسسات التعليمية بصفة عامة ؟ و هل يمكن القول أن التطرف الديني يعتبر السبب الأساسي لهذا الإصلاح؟
هناك عدة عوامل ميكانيكية، سواء منها الداخلية والخارجية، سرعت عملية تفعيل رؤية الإصلاح لمكون التربية الإسلامية بالمستعجل، لكننا اليوم نشهد إشهاد اليقين أن كل التوليفات الإصلاحية التي خضعت لها برامج التربية الإسلامية ومنهاجها، كانت وليدة تجميعية من التضادات المذهبية والفكرية والسياسية والاجتماعية. ولنا في السند التاريخي عبرة، فعندما تقوى عود الفلسفة في سبعينيات القرن الماضي، ونما الفكر السياسي اليساري الجذري، تم تلجيم فم الفلسفة بالجامعات المغربية، بخلق شعب الدراسات الإسلامية وتقوية مسارات شعب الشريعة الإسلامية. الآن، رياح الحركات الإسلامية -الإسلام السياسي الراديكالي- تعصف وتشتد اشتعالا في نقط معلومة من خريطة الدول الإسلامية، هنا سيتدخل الفكر السياسي والاجتهاد المذهبي المغربي في إعادة استقراء مواضيع تجديد رؤية المقاصد الشرعية بالمدارس المغربية.
إنها المهام السبقية للحفاظ على الهوية الوطنية بالتميز السمح تجاه كل اختلاف ديني ومذهبي. وجعل المدرسة المغربية تعمل بالأساس على ترسيخ القيم الدينية السامية بتلاقح وفي مع المنتوج الكوني (الحرية،الكرامة،العدل،مقاربة الإنصاف و النوع، إشكالية المساواة....)، إنها الرؤية الاستشرافية لمدرسة تكرس حب الوطن وروح المواطنة، مدرسة التشبع بروح الحوار وقبول الاختلاف، مدرسة تتأسس على قيم العقيدة الإسلامية المبنية على الوسطية والاعتدال والتسامح.
3/ لكل إصلاح مؤشرات ناظمة ، فما هي أهم التوليفات التوجيهية التي ارتكز عليها إصلاح الحقل الديني المدرسي؟
أولى الملاحظات التوليفية في تحليلنا، والتي تم ترسيمها ضمن مخطط رؤية إصلاح حقل التربية الإسلامية في المدارس المغربية، تتأسس على محورين اثنين، الأول التشبث بمقومات هوية الأمة الموحدة، ضمن ثوابت اختيارات المغاربة للمذهب المالكي و تبني العقيدة الأشعرية، والتصوف السني تحت مظلة ترتكز على ترقية النفس في مدارج السلوك، بما يظهر في إعمال التضامن والتكافل وحب الخير للذات والغير، والحلم والتسامح ومخاطبة الوجدان والقلوب بما ينفعها ويقومها.
هو إذا، مسلك اختيار وطني سيبعد عن درس التربية الإسلامية ضمن الحوض التربوي للمؤسسات المدرسية المغربية كل منافذ أحكام الاستنباط الخلافي (الكلي أو الجزئي) للمذاهب الإسلامية ، ولفرق الحركات الإسلامية الصغرى أو الكبرى. هنا نقر إقرار اليقين توحيد نسق التحدث للمتعلم بلسان موحد، وأحكام مضبوطة لا خلاف فيها، ولا جدال ديني يصيبها.
فيما الموجه الثاني، فهو يستند إلى مؤشر خلق كيس أمان واق من صدمات الأحداث والوقائع المريعة التي نعايشها بالسماع والصورة الإعلامية بربوع خريطة دار الإسلام . إنه مؤشر إحلال رؤية الأمان الروحي السليم للتلميذ المغربي من كل شظايا الإسلام السياسي الراديكالي. إنه مؤشر التزكية الروحية التي ترتقي بالمتعلم إلى الصفوة الخالصة لتدبير قيم التسامح عبر قنوات الحوار الحضاري الكوني، وقبول مبدأ الاختلاف، وإلى إكساب المتعلم آليات حصانة الاقتداء السليم المرتبط بأثر السلف، ضمن ناظم (ديني/دنيوي) يستند على مدخل روح الإصلاحات الدستورية المغربية.
4/غير أن الكتب المدرسية للمادة عرفت تعثرا كبيرا مع بداية الموسم الدراسي الحالي، و إلى غاية اليوم فما هي أسباب تأخر الكتاب المدرسي و كيف يمكن تجاوزها ؟
لنعد، ونبيت نية الإدلاء بالرأي، والرأي المضاد في تنزيل رؤية إصلاح الحقل الديني التربوي بالمدرسة المغربية. هنا ستواجهنا عدة فجوات شكلية، سواء في وصف الظرفية الاستعجالية للتنزيل، والمدة القصيرة التي واكبت عملية ترميم وتجديد المقررات والبرامج المدرسية لمكون التربية الإسلامية، وفي القفز العلوي عن تجربة العمل التعاقدي وفق المقاربة التفاعلية / التصاعدية لكل موجهات الإصلاح التربوي .
فالفتح المبين لكل عمليات مواكبة إصلاح وتجديد منهاج وبرامج التربية الإسلامية، تزامنت أسباب نزوله والعطلة الصيفية، والتدبير المرحلي للانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر، ولا نعلم علم اليقين من ساهم في إنتاج المقررات المنقحة، وعن بنود دفتر التحملات المخصص لعملية التجديد.
من تم نتساءل بحق، عن من ساهم في عمليات التنقيح و تسنين الموجهات الكبرى لمكون التربية الإسلامية، نتساءل عن المؤشرات الكبرى والوسطية في أفق متم رؤية الإصلاح 2030، نتساءل لما استهدف مكون التربية الإسلامية بالإصلاح الكلي دون المكونات التعليمية الأخرى، والتي نشهد أنها لا زالت لم تبرح مكانها ضمن خطة التدابير ذات الأولية .
لكل منا جوابه المقنع عن كل تساؤلات السياق والمرتكزات، لكننا نؤمن بالقطع أن التحولات المجالية الوطنية والعالمية، لها سلطة اليد العليا في التعجيل بإصلاح مقررات ومناهج مكون الحقل الديني المدرسي بسرعة الأرقام القياسية. لكن، الأمل في أن تكون مؤشرات إصلاح الحقل الديني التربوي المدرسي أكثر وثوقية بنتائج الجودة القادمة ، وبثقة تامة في تكوين مواطن مغربي يعتبر الدين سلوكا، والعبادة تقربا إلى الذات الإلهية، والتسامح مهارة حياتية ، والقسط حكامة .
فيما إكراهات تأخر خروج الكتب المدرسية من المطابع، فالأمر يستند إلى مسلك الاستعجال الذي أصبح يستعمر كل القرارات الإصلاحية.
5/ ما هو الجديد الذي حمله مخطط إصلاحا مادة التربية الإسلامية ؟
بعد أن استحضرنا سياق الإصلاح الرئيسة للحقل الديني المدرسي، والتي أصبحت معلومة لدينا بأثر النقل والتواتر. وبعد أن كشفنا سر شفرة الترميز المضمر عن بعض روافد قنوات السياق العالمي، وحسبنا قوة الدفع الخارجي (التحدي الغربي ) بأعداد رياضية مضاعفة عن واقع دوافع حاجيات الإصلاح الداخلي لمكون التربية الإسلامية. خلصنا بصريح العلة السببية أن التعجيل السريع في إصلاح الحقل الديني المدرسي كانت بؤرته التوترية الأحداث (الداعشية) بدار الإسلام المشرقي. وجدنا كذلك أن التوصيات الغربية بسلطة الدعم المالي المرهون بالإملاءات تنزل علينا كمطرقة حداد على عين حمئة.
لنعد لزاما بحديثنا لفعل الأجرأة الميدانية لكنانيش مكون التربية الإسلامية المنقحة، وندق أبواب الفصل الدراسي، ونقتعد مكانا يسمح لنا بالملاحظة الصفية اللصيقة لكل مكونات مجتمع القسم، ووسائل تمرير معلومات إرساليات (التزكية،الاقتداء،الاستجابة، القسط،الحكمة).
أول ملاحظاتنا هي الحلة الشكلية للكتب الجديدة المنقحة، والجودة في الطبع والعرض الترتيبي للمعلومة المراد التعامل معها من قبل المتعلمين . فيما الصور المصاحبة للدروس كأسناد ملحقة فقد روعي فيها عدة معطيات سيميائية، على أساس أن الرسالة البصرية التي تسوقها نحو المتعلم تختزل مادة قارة ومثبتة في أشكال رؤيتها الهندسية، وكذلك من خلال نقلها من الحالة الجامدة إلى دلالات إنسانية متحركة الحياة. فأصبحت الصورة في الكتب المنقحة تنقل لنا عينات من أنماط التشكلات المجالية للمجتمع. هنا نقر برمزية الصورة (المرأة وهي مكشوفة الرأس / المرأة وهي محجبة ...) فهي تروم إلى توسيع طاقة رؤية الاختلاف المرجعي ، وفي تفتيت النمطية الحياتية بمستويات الانتماء الديني، حينها نقف عن بعد المساواة والانفتاح على الفكر والقيم الإنسانية الكونية، و نشد اليد على مقاربة الإنصاف و النوع، وعن كثلة متحركة من المفاهيم الكونية.
إذا، نعلن بالواضح المكشوف أولا أن الصورة ليست محايدة، ولا بريئة التوارد في قلب غالبية صفحات كتب المتعلم، إنه حديث علم العلامات كفرع من علم النفس الاجتماعي– ( فرديناد دو سوسير Ferdinand de saussure )- الذي دخل إلى مقرراتنا المدرسية (الإسلامية) بغاية التزكية لأبعاد صورة تسوق الانفتاح على المكون الكوني، ويتم الاقتداء بها وفق عوائد الأثر الإيجابي.
6/ بعد الملاحظة الشكلية/ السيميائية للصورة والهندسة الجمالية للمنتوج المنقح والمعدل. إذا ما فتحنا طيات الكتاب المدرسي للتلميذ ، هل هناك من ملاحظات أولية؟
نعم ، بالبدء النظري نستهل قولنا من جانب التوزيع الزمني، حيث حافظ متسع الزمن المدرسي المخصص لدروس التربية الإسلامية على مددها التفصيلية وبزيادة ، بل يمكن القول أن الأحياز الزمنية المخصصة لهذا المكون قد تمططت اتساعا في المستويات الأولى(السلك الابتدائي). وتفردت البرمجة الجديدة على اعتماد أربعة أسابيع لبناء الموارد، وتم تخصيص الأسبوع الخامس للتقويم والدعم ومعالجة كل فجوات التعثر.
هنا نشهد بعلم اليقين أن تراتبية تخطيط زمن التربية الإسلامية أحدث تنافرا مع المكونات الأخرى الناظمة للعمليات التعليمية داخل المدرسة المغربية العمومية، فمكون اللغة العربية مثلا، ينبني على خطة تقسيط مرحلي أربعة مراحل، كل مرحلة مكونة من ست أسابيع متبوعة بأسبوعي للدعم العام و الخاص، و تمرير المراقبة المستمرة بناء على المذكرات الوزارية الإطار المنظمة للفروض المحروسة. وبعدها تفتح بوابة مسار(الأسبوع 7و8 من كل مرحلة) لتوطين نتائج التقويم الجزائي للتلاميذ.
في هذا الشق، الكل يتساءل عن زمن تمرير فروض المراقبة المستمرة في مكون التربية الإسلامية ! هنا نلحظ أن تحقيق التوافق الزمني بين جميع مكونات المنظومة التعليمية، قد أخفق مساره وموعده، وأصبح لزاما البحث عن تكييف تعسفي لتمرير الفروض المحروسة (المادة 18 من المقرر الوزاري رقم:035/16بتاريخ:17 يونيو 2016 الصفحة 11).
فيما الأمر الذي أشكل الإجماع على فهمه بوجهه الجلي، حين تحدثت الوثيقة الوزارية " منهاج التربية الإسلامية " عن التقويم والدعم (ص6)"يتم تقويم مكتسبات المتعلم (ة) في نهاية كل سنة، انطلاقا من وضعية دامجة لمختلف المعارف والمهارات والقيم لجميع مداخل التربية الإسلامية....أما بالنسبة للتقويم التكويني والتقويمات الجزئية (الفروض)...فيقوم حفظ القرآن شفهيا في جميع المستويات...يقوم حفظ القرآن كتابيا ابتداء من السنة الرابعة...".
البينة الأولى التي نلحظها، هي العودة إلى بيداغوجيا الإدماج، حيث تعلن الكفايات المخصصة لكل مستوى دراسي " يكون المتعلم(ة) في نهاية السنة ...قادرا على حل وضعيات مشكلة مركبة ودالة، بتوظيف مكتسباته...". هنا أشكل على كل المتدخلين في الحقل التربوي المدرسي الإفتاء الإفتراضي أو الإستشرافي، هل الإمتحانات الإشهادية وغيرها، تمرر عن طريق وضعيات مشكلة مركبة دالة، تستدمج كل ما اكتسبه المتعلم (ة) من موارد؟ هل يتم احتساب التقويم الشفهي تقويما جزائيا، أم تقويما تكوينيا؟ هل سيكون احتساب نقط فروض مكون التربية الإسلامية على أساس تجميع نقط الفروض (الشفهية+الكتابية) ابتداء من السنة الرابعة ؟. كيف سنقوم متعلما بوضعية مشكلة مركبة دالة في نهاية السنة وهو لم يتدرب بتاتا على كيفية التعامل مع منهجية حل وضعية مشكلة؟ إنها متوالية الدفع إلى الأمام، وحين تتشابك الكبة وتصبح مشكلة، يتم إلغاء الإصلاح بجرة قلم سياسي...
7/ الآن، تم طرح منهاج التربية الإسلامية كمتغير خلخل المفاهيم التقليدية التي سكنت المدرسة المغربية منذ 15سنة، في نظركم ما هي بعض ايجابيات المنتوج الجديد لمكون التربية الإسلامي بالمدارس المغربية ؟
نعم، رغم كل ما قيل من اختلالات وإكراهات، فهناك نقاط بارزة ، ومن بين إيجابيات المتغير هو مراعاة الجانب النوعي في تقديم المواد بدل الكم والتكرار. هو العمل على تقليل العناوين والدروس بشكل يحقق التوازن بين كل العمليات المرحلية والسنوية عموما. المتغير الآخر، هو اعتماد مدخل التدريس بمقاربة الكفايات والتنصيص على مكان الوضعية المشكلة المركبة والدالة ضمن حقل التقويمات الإجمالية. فيما متغير التتبع والضبط فلن يستو ارتكازه إلا من خلال الاعتناء بالتكوين الأساس والمستمر، والاستناد إلى التقويمات المرحلية لكل أجزاء الإصلاح الرئيسية بحدود تغليب رؤية التعديل والتصويب، واستثمار تقارير المجالس التعليمية بالوفاء إلى تفعيل المقاربة التفاعلية التصاعدية.
أما الثابت من الايجابيات فهو التسمية "التربية الإسلامية" والتي خلصتنا من كل نقاش بوليميكي، وجعل الفكر الإصلاحي التجديدي للحقل الديني المدرسي يتوافق مع تصدير دستور المملكة الذي نص على أن" المملكة المغربية دولة إسلامية..." و في فصله الثالث " الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".
. الثابت هو في استهداف مواضيع حديثة، التسامح، الكرامة، الحق، الواجب، الحرية، إنها البوابات التوليفة النسقية بين مرجعية المذهب المالكي(الأركان/ العبادات)،والعقيدة الأشعرية (العقيدة) ، والتصوف السني (القيم/ النفع).
ومن الملاحظات الايجابية كذلك، يبقى النص القرآني حاضرا طيلة كل الأسابيع الأربعة لبناء الموارد، وعند جل الحصص والمواد، فأسناد درس العقيدة وغيرها ينطلق أساسا من النص القرآني ولو حتى باستحضار آيات أخرى بديلة تدعم انطلاقته.
8/ هل هناك من الملاحظات التي تحجم من قوة الفكر الإسلامي السياسي (الراديكالي) و الإسلام الديني الوسطي ؟
نعم، هو سؤال وجيه و ملاحظة رئيسة، وهنا نشير إلى أن أغلب السور القرآنية المقررة هي مكية التنزيل أو تحكي قصص الأنبياء والرسل. و هي في بنيتها العقائدية تستند إلى تعزيز السلم ومواجهة التطرف، وذكر الجنة والنار . فيما يهم منهج تمريرها إلى المتعلم فقد استدعى الأمر الاشتغال على مبدأ الملاءمة وقياس علم الأصول، والمصالح المرسلة مع مجمل مستجدات التحولات الداخلية والعالمية .
وللحقيقة التاريخية فوجهة البحث عن العوامل المؤدية إلى التشيع بالفكر السياسي (الراديكالي) لا يمكن حصرها فقط في الكتب الدينية المدرسية وتنقيتها المنهجية، ولا في البرامج الدينية المقررة، ولا في حاملي رسالة التدريس. بل الأمر أعقد من هذا وذاك، لأن هناك عوامل أخرى بمبدأ التقية تدخل بالتتابع في انتشار بالفكر السياسي الراديكالي . ولنا في اليقظة المستديمة أمان لجيل المستقبل من كل انزلاق فكري سلوكي.
8/ إجمالا، لنتحدث عن ما يمكن أن نختم به حديثنا حول إصلاح الحقل الديني المدرسي ؟
إجمالا، إذا جاز لنا تسمية إصلاح الحقل الديني المدرسي بأحد التسميات القياسية فإنه يحق لنا القول بأنه " إصلاح طنجرة الضغط" . الآن، الإصلاح الاستعجالي للحقل الديني المدرسي تحقق بالتنزيل و الإرساء، واتضحت أسباب نزوله الداخلية والخارجية. لكن لم يتحقق معه مراعاة الانسجام بين المواد الدراسية والتناسق في الامتداد والتقاطع، لم يتحقق معه تحديث محتويات عدة التربية الإسلامية وفق التطور المعلوماتي الحديث(إصدار أقراص مدمجة تضم كتب المتعلم ومراجع الأستاذ(ة)) ، لم يتحقق معه تفعيل الخطة الوطنية الإستراتيجية لمشروع المؤسسة عبر برنامج تعليمي في حلة مشاريع تربوية (مشروع القسم في مكون التربية الإسلامية الإدماجية)، لم يتحقق معه البحث عن تنمية الفكر النقدي لكل مشينات ومظاهر الانحرافات الجانبية عن قيم العقيدة الإسلامية السمحة، لم يتحقق معه استعمال العقل التحصيني من كل الانزلاقات الفكرية والسلوكية نحو حقل الإسلام السياسي الراديكالي.
في الختم لا يسعني إلا بإمدادكم الشكر الموصول على سعة صدركم لسماع ملاحظاتنا الأولية حول إصلاح الحقل الديني المدرسي المغربي تحت مظلة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح بمتم 2030 ، والشكر الموصول الى الصحافي الحسن بنعيادة.
ذ محسن الأكرمين : mohsineelak@gmail.com