بقلم : ذ. محسن الأكرمين
موسم الدخول المدرسي عاد ، وبأية حالة عاد ... بما مضى أم في الأمر تجديد، فالعودة حاصلة ، ولكن هي عودة ليس كمثيلاتها بالمرة . فهل نحن هرمنا وامتلكتنا الحمية حتى في إنجاز العمل ؟ أم أن المؤسسة المدرسية ضربت عليها العنكبوت بنسجها وقضى عليها الخلاف السياسي و المذهبي ؟ أم أن التلميذ يجر كرها إلى المدرسة ، و بها يفجر مكبوتات عنفه المدرسي / وتشرميله الشارعي ؟فإذا كنا محل باحثي الإحصاء وطرحنا سؤالا عن موسم العودة إلى العمل " التربوي /الإداري " هل هو طوعي أم إجباري ؟ إنه الأمر الذي لا نستطيع توقع جواب قار له ، وممكن أن يجعل من توقعات تخطيط السيد الحليمي لا نفع مجد لها .
قد نختلف في الإجابة عن هذا السؤال المميت ، لكننا نلتقي جميعا عند بوابة البحث الأولي عن لائحة العطل عند وضع بصمة توقيعاتنا المغلقة على محاضر الدخول . لما نسعى إلى البحث عن أيام الراحة ولا نكلف أنفسنا تعداد أيام العمل المقررة بتمامها ؟ ، نستوثق صدق الأمر من ذواتنا جميعا بالدوام ، وهي أن حياتنا يستوطنها الاستخفاف والتكاسل في معالجة كل الأمور العملية و الاجتماعية والوطنية ، فنحن نشتغل بمبدأ النفعية ( الفارغة) بالبحث الحثيث عن الجهد الكفيف في العمل ، ونجعل من قاعدة " قضي و سليك بلي كاين " هي المبتدأ .
وضع برنامج عمل، أو خطة استراتيجية،أو خارطة طريق للعمل هو الأمر الذي لا نتقيد به خوفا من التعاقد الإلزامي ، لأننا نمتلك التفكير الإرتجالي اللحظي ، فعقولنا تشتغل وفق مقاربة فعل النحلة عندما تلثم الزهرة ورغم بقاء الرحيق النافع بها تنتقل إلى زهرة أخرى حتى ولو كانت ذابلة ، إنه العقل - "المغربي " - بتفكيره المتقلب المزاج والذي لا يستقر على بر تخطيط استراتيجي .
لم نستطع منذ الاستقلال وضع موضع قدم قار بالاشتغال ضمن منهجية التعاقد أو التدبير بالنتائج ، بل طغى علينا تدبير الزمن المدرسي الروتيني (34أسبوعا) ، كتدبيرنا اليومي للورق بإدارة مؤسساتنا التعليمية العمومية وانغلاقها عن الوسط الاجتماعي ...
تجديد نفس الاشتغال وتعبئة ذواتنا بالإخلاص " لأجيال مستقبل الوطن " لا يحتل فينا أي موقع ولا يغرينا البتة ، لأننا نبحث عن تسويغات تعفينا عن المساءلة والمحاسبة تجاه أجيال المستقبل وأمام الوطن وأمام الله. إنها تبريرات نحفظها بطلاقة وبدون تعثر مدوي ، إنها إكراهات وضعية المؤسسات التعليمية (البنيوية والبشرية ) ... إنها نووية الأسر المغربية النزقة ... إنها الضغط الحياتي/الاقتصادي... إنه إخفاق إصلاح الإصلاح الى ما لا نهاية له ، واللائحة أطول مما نتصور، و يتم استدعاؤها بحجية واجبة الوجود حتماعند كل لحظة لإماطة المسؤولية عن رقابنا وتعليقها بموضع ذوي الأعراف .
كل هذا طوح بنا إلى الإرهاق التام حتى ونحن في رغد راحة من عطلة أطول ، بالله عليكم ، أية مفارقة هاته التي تلبسنا ، وتكبل تحركاتنا نحو الأفق المستقبلي للإصلاح التربوي ؟ .
سحب نفس من سيجارة قاتلة أو من "شيشة " ، وبلفظ دخانها تخبو نار المعرفة عند المغاربة ويصير الفعل التعليمي تلويث لعقول الناشئة ، فالكثير منا يتكدس في المقاهي وغيرها الأسوأ ، إنه الواقع البغيض الذي نعايشه إما فرادى أو جماعات أحببنا الأمر طواعية أوكرها بالإزاحة أو الانسياق بعقل وتفكير القطيع ... ولكن ما هي البدائل الواجبة التنزيل لتسوية اختلالاتنا بتسمية الأزمة ؟
البحث عن البدائل والضبط يستوجب منا أولا وقفة تقويمية مع الذات " الحاضرة / الغائبة " ثم مع الآخر باختلافاته وخلافاته التافهة ...فإذا حصلت على نقطة جيدة في الإخلاص في عملي كأمانة سلوكية وطنية فإنني أحصل أولا على الراحة النفسية والطمأنينة الكافية للترويح عن الذات والأسرة والشعور بالأمان النفسي / الأخلاقي وسط بلادي ....أما إذا ما كان عملي هو في حده الأدنى السلبي بتجديد الحضور ، وتكميم الأفواه ، دون القيام بالواجب ، فهو الأمر الذي لا يحتاج إلى راحة أو تجديد النشاط ، فالعدمية تمتلكه وكفى ، وخبره معتل البنية ومبني للمجهول . وتجوز فيه الصلاة على الميت الغائب ، ويستحق كفن غريب بحكم الشرع وعرف المغاربة ...
يكفينا فقط البحث عن المحفزات المادية ... يكفينا من توسيع رقعة المطالب المثالية ... فتعليمنا قد ادخل غرفة الإنعاش إثر سكتة قلبية قديمة قدم أزمة الأمية المعرفية بالمغرب ... يكفينا من خلافاتنا السياسية العقيمة والتي فرخت الأشباح والغربان في المنظومة التعليمية وجعلت التلوث يطفو على السطح ... يكفينا من التطاحن النقابي والعصيان المدني بالإضراب ، وفتح الدكاكين النقابية للمزايدات البغيضة التي لا خير فيها... يكفينا من سيف قرارات حكومية تقعدنا أمام السبورة السوداء بعد الوصول إلى ما بعد سن التقاعد المتعاقد عليه قبل عملية الولوج إلى الوظيفة العمومية.
إن التلميذ المغربي في حاجة إلى فتح أفواهنا بالجودة داخل الفصول بالإفادة الخيرة والتعزيز الأخلاقي ...لا نجعل من الدولة هي ذلك المشجب القصير الذي نعلق عليه كل اختلالات المدرسة المغربية العمومية ...إننا نتقاسم الكم الإخفاقي باتساعه عمقا ومساحة بالتساوي في المسؤولية...
أقر أن المدرسة المغربية لا تجدد نفسها بتاتا ، من تم تعودنا كموارد بشرية بالحقل التعليمي على لبس لباس التقادم حتى في الترقي ، فالزمن كاف لتسلق السلالم والرتب . وحتى نمط تلقين التعلمات بمدارسنا المغربية يسير سير السلحفاة ، وبالتكرار تمتلك الكفايات المستعرضة . فوسائل الاشتغال من العهد القديم ، والماضي قوته حاضرة ويتحكم فينا ويحكمنا ، ويوطن لنا معايير ومؤشرات المستقبل. فالقول بأن المدرسة العمومية تنتج الإتكالية العاطلة والمعطلة ، هو قول بأننا ننتج كل شيء إلا المواطنة الحقة السليمة .
الإقلاع التربوي مساره مستقيم ، لكننا نتعمد - نحن - خلق المنعرجات والمطبات القاتلة ، انه الفعل السياسي المذهبي البغيض الذي يتحكم في أي إصلاح . فأبناء الشعب مضغوطة بمكبس داخل فصول دراسية (الإكتظاظ ). والقيمين على المنظومة يشتغلون وفق مسطرة الأرقام والنسب ،والتلميذ عندهم ما هو إلا عدد يحتسب عند ولوجه المدرسة ويشطب عليه عند تسربه منها . إنها مفارقة التخطيط المغربي ذي المرجعية المالية والحسابية ...
آه يا وطني شعبك سائر في طريق النكوص نحو الأمية ، ولما حتى القول بالجهل الخلافي . خوفي عليك يا وطني من أن يصبح تعليمك لا يسمن ولا يغني من جوع تفكيك رسم كتابة الحروف بشتى تنوعات اللغات المتداولة بالمدارس المغربية . ألمي عليك يا وطني أننا نجلس القرفصاء في انتظار قطار الاصلاح بمتم سنة 2030. حرقتي عليك يا وطني التامة أننا أدمنا العدمية والسلبية بموت الضمير العملي عندنا والوازع الديني فينا.
فخري بك يا وطني أنك تعرف الأسباب والمسببات بالتمام والكمال في أزمة و انزلا قات المنظومة التعليمية نحو الهاوية ، لكنك لا تمتلك يا وطني أي مخطط يحمل قيم المواطنة البديلة تتسع بالواقعية التامة وتردم هوة التعثرات التي تسكن المنظومة التربوية . وننعتق كليا من نسج عنكبوت خيوط أزمة التعليم ...
ذ محسن الأكرمين : mohsineelak@gmail.com