تمثل المدرسة النواة الأساس في المنظومة التربوية, فداخل أسوارها يتم التطبيق الفعلي للسياسة التعليمية, و ضمن فضاءاتها يقضي المتعلم أكبر وقت في اكتساب و تحصيل مختلف المهارات و المعارف التي من المفروض أن تنعكس إيجابا على حياته اليومية.
وفي خضم الضجة المثارة حول تدني المستوى التعليمي لناشئتنا, و ضعف تحصيلهم الدراسي, و دق ناقوس الخطر حول هذا القطاع, تدخلت الوزارة الوصية للنهوض بهذا القطاع, لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية. وقد اعتمدت مجموعة من الأليات لتخطي المحنة التي يمر بها هذا القطاع الحيوي و الذي يحتضن فئة عريضة من أبناء محدودي الدخل (ولاد الشعب) ومن بين المقترحات مشروع المؤسسة الذي يتيح الاشتغال على فرضيات أساسية من شأنها إعطاء بريق للفعل التربوي فكرا و ممارسة, و جعل المؤسسة التعليمية فضاء لاكتساب الكفايات المعرفية و القيمية والتربوية و الثقافية من خلال تحسين التعلمات وتجويد النتائج و تشجيع العمل التشاركي و تحفيز الموارد البشرية, و في هذا الإطار لا يمكن إغفال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه الدستور و الذي من إيجابياته تقنين عمليات تحمل المسؤولية بالقطاع و في انسجام مع معايير الحكامة الجيدة, وهنا يبرز دور رئيس المؤسسة في تدبير مشروع المؤسسة, الذي يجب عليه الابتعاد عن السلطوية والقطع معها و العمل في إطار تشاركي يمكن الجميع من طرح الآراء و قبول الاختلاف و التعامل مع معهم على قدم المساواة و تشجيع الكفاءات و هذه بالضبط هي الفلسفة التي تبناها الميثاق الوطني للتربية و التكوين.
فمشروع المؤسسة وصفة طبية فعالة لكن يجب أن تحترم فيها المقادير, و أن يشرف عليها طبيب مختص و الذي مما لاشك فيه هو المدير التربوي الحداثي المتفتح و المنفتح على جميع الطاقات الخلاقة و المبدعة, و الدعوة إلى إشاعة ثقافة ربط الحقوق بالواجبات و دمقرطة العمل الإداري باعتماد المقاربة بالمشروع و تفعيل ربط المساءلة بالمحاسبة. فالشخص الذي يحتل المرتبة القيادية كمدير/ رئيس المؤسسة يجب أن يكون مبادرا و عمليا و مبدعا و مجددا و مستشيرا و محفزا لموظفيه من خلال إيلاء الأهمية الكبرى للمكافأة الرمزية ,على الأقل, للعاملين بجانبه, و منصتا لمشاكلهم, ساعيا لزرع الأمل في قلوبهم, حريصا على توفير الأمن لهم, فداخل هذا المناخ الإيجابي و الشفاف, المفعم بكل مقومات الحيوية و النشاط و العمل الجاد و المسؤول تزرع الرغبة داخل كل الفاعلين للعمل الطموح لتحمل المسؤولية, و العكس يحصل في جو فوضوي يسود فيه قانون الغاب قائم على السلطوية و التمييز و قاعدة فرق تسود.
لقد آن الأوان لتحديث الإدارة التربوية, وتغيير معايير إسناد هذا المنصب الحساس باعتماد مباراة و تكوين بمراكز التكوين, لصقل شخصية المدير التربوي, وتطوير مواهبه و مؤهلاته قبل الخروج الفعلي للميدان العملي, لجعله قادرا على تدبير موارده البشرية و المالية و المادية تدبيرا سليما يراعي كل مقومات الجودة و يتبنى فلسفة العمل بالنتائج و يتخلى عن ذاتيته و تطلعاته و مصالحه مقابل المحافظة على المصلحة العامة, و يحقق الحياد من خلال قبول الاقتراحات البناءة ومراعاة العدل في إعطاء الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم, و الابتعاد على إقحام حساسيات شخصية أو حزبية أو نقابية أو عرقية, و العمل كفريق منسجم همه الوحيد المصلحة العامة لتحقيق نتائج أفضل. بالإضافة إلى كل هذا يجب التأكيد على ضرورة تمكين هذه الأطر الإدارية من الاستقلالية اللازمة, و من التكوين المستمر في مجال التكنولوجيا الحديثة, و تحسين أوضاعها المادية هذا إن أردنا السير قدما في برامجنا الإصلاحية للانتقال إلى مؤسسة حداثية تنبذ كل خصائص التدبير التقليدي, و تقطع مع هذا الإرث القديم, وتتبنى مقومات التدبير الحديث الذي يبتعد عن الحسابات الضيقة مع الأفراد أو المؤسسات, و يفتح المجال للشراكات مع المجتمع المدني المحلي بما يلبي احتياجات المتعلمين و متطلبات أسرهم, و يعمل على حل مشاكل المؤسسة التعليمية بطريقة تشاركية تخلق الثقة بين العاملين, و ترسخ فيهم حس الانتماء للمؤسسة.
الإدارة التربوية عنصر متشعب العلاقات داخل النسق التربوي التكويني, و فاعل أساسي في حكامة المنظومة التربوية, وهي الأداة التي ينطلق منها الإصلاح التربوي لتحقيق الطفرة النوعية من الاعتماد العقيم على الأساليب التقليدية, إلى اعتماد التدبير بالنتائج.