تسريب امتحانات البكالوريا في الدول العربية

بقلم: الدكتور لحسن الكيري*
     من اللافت للانتباه عشية كل نهاية موسم دراسي كثرة القيل و القال  عن ظاهرة تسريب مواضيع امتحانات البكالوريا في المغرب و عدة دول عربية أخرى كمصر و الجزائر. و يبدو لنا أن هذا التسريب علامة واضحة على سوء تدبير و إدارة المنظومات التربوية و التعليمية في هذه الدول المذكورة أعلاه. و كما هو معلوم، ليست هذه الدول العربية هي الوحيدة في العالم التي تنظم امتحانات إشهادية من حجم امتحانات البكالوريا؛ لكن لم نسمع يوما - أو على الأقل بنفس إيقاع ما يحدث عندنا - أن تسريبا كهذا حدث في فرنسا أو سويسرا أو ماليزيا أو حتى فلسطين. و إذن، المشكل هو أننا مجتمعات متخلفة بحيث ما زالت لم تستوعب بعد تلكم التحولات التي جرت و تجري من حولها إقليميا و دوليا. كما أنها لم توظف الوسائل التكنولوجية، بصفة خاصة، توظيفا إيجابيا؛ فعوض أن نستعمل الهواتف الذكية و الحواسيب و اللوحات الإلكترونية في اكتساب تعلمات فعالة و ناجعة بطريقة جذابة و مثيرة و شريفة، فإننا نلاحظ أنها أصبحت تستعمل في إنجاز عمليات الغش و التزوير و تسريب مواضيع الامتحانات.
     و يبدو أن هناك أسبابا ثاوية خلف ظاهرة التسريب هذه، و التي يمكن أن نجملها في الآتي:
- انعدام الضمير عند بعض الأفراد الذين يسهرون على إخراج الامتحانات من الألف إلى الياء في مرحلة من مراحل هذا الإخراج.
- غياب الوعي عند التلاميذ بالمخاطر التي يمكن أن تؤدي إليها عملية الغش.
- عدم الضرب بصرامة على أيدي المسربين مثل ما فعلت وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني المغربية نهاية السنة الفارطة عندما تم تسريب موضوع الرياضيات و تم إغلاق هذا الملف لأن جهة نافذة تقف خلف العملية. فالملايين التي كلفتها إعادة طبع موضوع هذا الامتحان و تكاليف حراسته و تصحيحه  نعتبرها خسارة كبيرة لأبناء الشعب بحيث كانت ستكفينا في شراء سبورات لبدية في جميع مؤسسات المغرب من طنجة إلى الكويرة.
- هذا التسريب علامة صريحة و فصيحة على انعدام المسؤولية و روح المواطنة و تخليق الحياة العامة و النزاهة و الوعي و غيرها من القيم التي تحولت إلى مجرد شعارات متحجرة تلوكها وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني في مغربنا المظلوم في تربية و تعليم أجياله، و ترددها الأحزاب السياسية الطامعة في شطيرة من حلوى الوطن، و ذلك في برامجها الانتخابوية المزوقة و المنمقة ولكن المعلولة.
- انقلاب الآية في التمثل  الشعبي العربي و المغربي بخصوص العلم و الثقافة و التفوق و الاجتهاد؛ بحيث أصبح التلميذ المتميز و الناجح هو الذي ينجح بطرق ملتوية رغم أنه يتغيب باستمرار و قد لا ينجز واجباته و لا ينضبط مثلا.
- عدم توسيع تغطية المدارس و المعاهد ذات الاستقطاب المحدود مما يضطر عددا من السماسرة المسربين إلى ابتزاز آباء و أولياء أمور بعض التلاميذ مقابل تسريب مواضيع بعض الامتحانات و ما خفي كان أعظم.
- انتشار تصور في المجتمع مفاده أن الرقي الاجتماعي لا يتأتى عن طريق المدرسة التي ندعي أنها قاطرة التنمية و العلم و الثقافة بل يتأتى عن طريق الخداع و الغش و النفاق و بيع الأوهام أي بواسطة السياسة السياسوية. فماذا ننتظر من تلميذ أو أي مواطن بسيط عندما يطالعنا وزراء و برلمانيين فاشلين يتبخترون في سيارات الدولة الفاخرة و في فيلاتهم الشخصية و بساعاتهم اليدوية التي فاقت العشرين مليونا من السنتيمات و هم يفهمون في القرعة و الجزر و الخبز أكثر مما يفهمون في الثقافة و العلم و الفن و الجمال و الاقتصاد و التدبير و التسيير؟ و ما ردود أفعاله و هو يرى رئيس جهة يفتخر بحيازة ستة ملايير رغم أن مستواه لا يكاد يتجاوز السنة الثالثة إعدادي؛ ووزير آخر  غير حاصل حتى على شهادة البكالوريا؟
- غياب الضمير عند المسيرين الكبار في دواليب الدولة، وإلا لماذا لا يستقيل رئيس الحكومة في أي بلد عربي عندما يفشل في فرض هيبة الدولة على مستوى من المستويات، إن كانت هناك دولة أصلا؟ و لماذا لا يستقيل وزير التربية الوطنية المغربي عندما تم تسريب امتحان الرياضيات السنة الفارطة، و ذلك اقتداء بوزير الدفاع البلجيكي مؤخرا عندما تعرض بلده لذلك الاعتداء الإرهابي المعلوم؟
     إن المشكل عندنا يكمن في كون رجال السياسة يملكون "جبهة صلبة" لأنه لا تعنيهم بالأساس  تلك الشعارات التي يتبجحون بها أمام كاميرات تلفزتهم الرسمية التقليدية الموبوءة و المنتهية الصلاحية، فأبناؤهم يدرسون معززين مكرمين في أمريكا و فرنسا و مستقبلهم مضمون لأنهم سيعوضون آباءهم في نهب خيرات البلاد و العباد فيما بعد.
     و تحضرنا في هذا السياق حادثة مثيرة يجب أن نأخذ منها العبر كي نفهم واقعنا الرديء، بحيث وقعت في مجال ألعاب القوى و ذلك عندما اعتقد عداء إفريقي أسمر البشرة أنه وصل إلى خط النهاية في الأمتار الأخيرة من السباق؛ فبدأ يهلل و يطبل و يزمر و يرفع يديه إلى الأعلى شأن أي مواطن شعبوي سطحي ينتمي إلى ثقافة متخلفة مندفعة و عاطفية؛ فإذا بالعداء الإسباني الذي كان خلفه يدفعه إلى الأمام حاثا إياه على تجاوز خط النهاية رغم أنه كان بإمكانه أن يتجاوزه و يكون أول المتسابقين في تلك اللحظة. و العبرة المستخلصة و الدرس المستفاد هنا هو أن العداء الإسباني ينتمي إلى ثقافة تؤمن بالنجاح المستحق و الاعتماد على النفس و احترام الآخر و الخصم الأفضل و الأقوى و ليس الفاشل المتعجرف و المدفوع و المفروض على الرقاب و البلاد و العباد من طرف الجهات المتحكمة في موازين القوى في البلدان العربية المتخلفة. و إلى تسريب آخر.
*كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية - الدار البيضاء - المغرب.
google-playkhamsatmostaqltradent