هستيريا امتحانات الباكالوريا

بقلم الأستاذ المحترم محسن زردان - كاتب وباحث -
لم يعد ممكنا استبعاد المغرب من بين قائمة نادي الأقوياء المالكين للمفاعلات النووية، فهو يتوفر الآن على 12 مفاعل نووي تتوزع على جهات المملكة، حيث تُضرب عليهم حراسة جد مشددة للحيلولة دون تسرب الإشعاعات النووية التي تشكل خطرا على السكان.
يبدو أنه مشهد عصي على الفهم، بل هي لقطة من إنتاج المخيلة، لكنها صورة كاريكاتورية تختزل المشهد، الذي تعيشه فترة تنظيم امتحانات الباكالوريا المغربية، حيث تعيش وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حالة استنفار كبرى، فعبأت جميع الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستيكية والأمنية بجميع الجهات، حتى يتسنى لها إنجاح هذه العملية.
إذا كان التاريخ المعاصر، عرف حوادث لتسرب إشعاعات نووية في كل من تشرنوبل بأوكرانيا وفوكوشيما في اليابان، فالمغرب عرف تسريبات في السنة الماضية من نوع آخر، يتعلق الأمر بتسريبات امتحانات مادة الرياضيات، وما رافقها من ضجة وطنية كبيرة، وتداعيات تعليمية وسياسية وجنائية مازالت مستمرة.
هذا الحدث، دفع الوزارة الوصية إلى سن إجراءات جديدة أكثر حزما وتشددا اتجاه السلسلة  المكونة لحلقات مسار الامتحانات، حيث زودت مراكز الاعتكاف بجميع الجهات بكاميرات المراقبة، بل وصل الأمر إلى منع منافذ خروج الضوء مخافة تسرب الامتحانات. 
قد نبالغ في تصوير حجم الحدث، لكن القصد من ذلك، هو إثارة الانتباه إلى الهالة والضجيج الذي فاق كل الحدود لهذه العملية، لتصبح المنظومة التعليمية والتربوية في كليتها تُختزل في تنظيم امتحانات البكالوريا، لذلك غدى هذا الأمر مألوفا، ولن تستغرب إذا ما فكرت في مقابلة أي مسؤول في هذه الفترة ابتداء من الوزارة مرورا بالأكاديميات وصولا إلى المديريات الإقليمية، لأن الجواب ببساطة هو الكل مشغول بأولوية الأولويات وهي امتحانات الباكالوريا، التي ترتعد لها فرائس المسؤولين، لأنها قد تطيح بهم إلى مهاوي الإعفاء من المهام والمتابعة في حالة الخطأ.
من جهة أخرى، ثمة من يرى أن عملية تنظيم امتحانات البكالوريا هي بمثابة بقرة حلوب، يسيل لها لعاب كل المتدخلين، نظرا لما تجر من ورائها من تعويضات مهمة وسخية، يتهافتون عليها أي تهافت.
من الواضح، أن الأمر ازداد استفحالا مع تطور وسائل الاتصال والتواصل، التي وسعت دائرة الغش، هذا الأخير يمثل ظاهرة اجتماعية بنيوية متجذرة في بيئة المجتمع المغربي، حيث وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. 
لكن المثير للانتباه، أن الوزارة الوصية صوبت مدفعيتها إلى الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية، وهو التلميذ لتبادر إلى اتخاذ إجراءات الغاية منها جزر الغش، من خلال إجبار التلاميذ والتلميذات على توقيع التزامات يتعهدون فيها بالانضباط إلى القوانين الزجرية للحيلولة دون السقوط في ممارسة الغش في امتحانات الباكالوريا، وهي مقاربة تضرب في العمق البعد التربوي البيداغوجي، حيث بهذا المعنى يوضع جميع المتعلمين والمتعلمات في سلة واحدة، ويصبحون كلهم مشتبه فيهم بممارسة الغش إلى أن تتبث براءتهم، في حين أن مسألة الالتزام بمحاربة هذه الظاهرة، يجب أن  تشمل أيضا المنظومة المتدخلة بكاملها من الأطر التربوية والإدارية وهيئات التفتيش والمراقبة، لأنه حتى عملية التسريب التي وقعت السنة الماضية لم تأتي من التلميذ بل من جهات أخرى.
حمى امتحانات الباكالوريا يتسع مداها ليصيب الأسر والأهالي وتدخلهم في سباق محموم للتهافت على موضة الساعات الإضافية لأبنائهم، لتنعش بذلك جيوب شريحة كبيرة من الأساتذة سواء في القطاعين العام والخاص، كما أن نسبة مهمة من المدارس الخاصة تنخرط في حقن جرعات زائدة في معدلات زبنائها، سعيا لضمان النجاح بمعدلات عالية، إذ بدأنا نسمع عن فلكيتها في الآونة الأخيرة، حتى أنها تبدو قد تتجاوز معدلات تلاميذ نجباء كوريا الجنوبية أو الصين.
على الرغم من هذا الزخم العظيم، الذي يصاحب باكالوريتنا، ففي المحصلة تطالعنا أغلب التقارير والدراسات الدولية والوطنية بوضعية التعليم الصعبة، التي تصنف دولتنا في كثير من الأحيان في ذيل قائمة الدول، جنبا إلى جنب مع دول ضعيفة، فضلا على أن نسبة النجاح في أحسن الأحوال تصل إلى 50 في المئة أو تتجاوزها بقليل، وهي نسبة متواضعة، وبالتالي فالنسبة الباقية المتبقية من المتعثرين تواجه مصيرا مجهولا.
google-playkhamsatmostaqltradent