هل تعلم أخي القارئ ، أختي القارئة بأن الكتابة كلها معاناة ومكابدة ولايعرف عالمها إلا من مارسها وذاق حلاوتها ومرارتها؟؟
مراسلة :عبد الرحيم هريوى إن عالم الكتابة ، عالم عجيب و غريب ،و قد لا يعرف حقيقته و كنهه إلا من امتهنه ومارسه برغبة و حب ،واستبر أغواره العميقة ، وتعود مرة مرة الانزواء في ركن من أركان بيته، أو بمقهى من المقاهي التي ألف الكتابة فيها ... وعادة ما تجد بالقرب منه كأس شايه أو قهوته المعتادة و المفضلة. لعله يعيش لحظته الحميمية، و هو منهمك في الكتابة ...فعندما تحضره هذه اللحظة ، فلا يريد أن يشاركه أو يجالسه أحد من أصدقائه أو حتى أن يشارك أفراد أسرته حديثهم و هو في بيته... لأنه ربما يحمل أفكارا كثيرة و متنوعة لموضوع ما و هي تتسارع في مخيلته أو هي في مخاض لديه ، و يريد أن يخطها على ورقته البيضاء حتى لا تنفلت منه هذه اللحظة الجميلة، و التي يجد فيها ذاته و يشعر بسعادة قد لا توازيها سعادة أخرى سوى وهو يرى منتوجه الفكري أو الأدبي ، والذي كان يحلم به في يوم من الأيام وقد أصبح حقيقة... فإما أنه قد كتب قصته القصيرة ، وحاور شخصياتها في صمت ،وحدد المكان و الزمان لأحداثها...أو روايته التي بناها عبارة عبارة و فقرة فقرة، و التي أصبح مهووسا بكل ما له علاقة بظروفها الاجتماعية والثقافيةوالأنتروبولوجية... وهي الآن تشده شدا إلى زمن غير زمانه ، والذي يخاف أن تضيع منه تلك التمثلات عن كل الأحداث و الواقائع التي و شمتها الأيام في ذاكرته ... نعم إنه يريد ترجمتها إلى كلمات معبرة و بأسلوبه العذب الرقيق ،ليعبر من خلالها عن أحزانه و آلآمه الدفينة ،و التي ربما ظل يكابدها منذ سنين خوالي قد مضت... و ها هي الفرصة الذهبية قد جاءت لكي يبدع و يعبر فيها بأسلوبه المميز عن كل تلك اللحظات التي تمثل له الشئ الكثير في بناء ذاته وكينونته ككاتب و كإنسان ...
أو تراه منعكفا على تحرير مقال صحفي له ارتباط بمعيشه اليومي و هو يخاطب فيه الآخر، ليبلغ له رسالة معينة في ميدان من الميادين الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية وهو يسعى جاهدا بكل ما أوتي من وسائل وأدوات الإقناع ليخاطب في الآخر ضميره الغائب أو يحرك فيه إنسانيته ،من أجل تنويره و توجيهه و توعيته حتى ينكب على العمل و الإصلاح و الإنجاز لمن يتحمل مسؤوليتهم في التدبير و التسيير و القيام بالواجب من أجل التخفيف من معاناة المواطن و تلبية مطالبه كي يشعر بوجوده و قيمته داخل مجتمعه الواحد...
أو تجده قد عانى الأمرين لإتمام قصيدته الشعرية وقد فكر طويلا في موضوعها كي تكون لها قيمتها الإضافية لارتباطها بحدث من الأحدات الوطنية أو القومية و حتى يكون لأبياتها الشعرية وقعها و صداها وأثرها النفسي والسلوكي على المستمع لما يقوم إلى المنصة و هو يقرأ أبياتها بيتا بيتا و بتأثر و إحساس عميقين،و لهفته المنتظرة أن يشاركه الآخر قراءته الشعرية...
فدعنا نقول ما قاله رائد القصة القصيرة، الكاتب محمد زفزاف رحمه الله ، ذات مرة، بأن أكثر الناس الذين نعاشرهم و يعيشون بين ظهرانينا ،ربما يحملون روايات وروايات شيقة في ذاكرتهم، وقد سبق لهم أن عاشوها أوعاشروا أحداثها الشخصية أو العائلية ،لكنهم لايمكن لهم ترجمتها إلى قصص و روايات مكتوبة ، ولايستطيعون كتابتها، لأن ليس لهم آليات وأدوات الكتابة ،و هذا هو مربط الفرس...
فنجد أن القراءة حق من حقوق الإنسان الطبيعية فلا يمكن لنا أن نحرم الإنسان من الأكل والشرب والنوم ... فكيف نحرمه من القراءة خاصة إذا ماكنا نحن أمة النبئ محمد صلى الله عليه وسلم شعارها هو: (اقرأ بآسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق)الآية ...لكن ليس كل من يقرأ يستطيع أن يكتب ، لأنه شتان بين الإثنين ،فالكتابة لها ارتباط ذاتي بمن يمارسها ، فالكتاب لايخرجون من الأرض كالفطر بل هم ثمرة عصرهم وبيئتهم ...ففي الجزيرة العربية ، في العصر الجاهلي كان الشاعر يعتبر لسان قبيلته، مثله مثل الصحافي اليوم، و كلما بزغ في قبيلة جينذاك شاعر إلا و أقيمت الحفلات و ساد جو من العزة و الافتخار بين أفرادها ، لأنه أصبح لديهم من سيدافع عنهم أمام القبائل الأخرى...لهذا فسلاح الكلمة المسموعة في أبياتهم الشعرية في العصر الجاهلي أقوى من السيوف التي كانوا يحملونها للدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم .وقد غابت عنهم الكتابة و كانوا يعتبرونها عيبا لايغتفر في زمنهم لما كانوا يتوفرون عليه من قوة في الذاكرة والحفظ...
لهذا نجد أن كل من يمارس الكتابة للآخر تجده دائما مهموما و مهووسا ، فربما تجده يفكر في شيء ليكتبه تم يتراجع عنه ، و بعدها يبدأ ديباجة موضوع آخر فيظهر له أن القارئ لا تهمه مثل هذه المواضبع التي أمست من المواضيع الثانوية لديه ،مما يجعله في ترقب و انتظار دائمين للجظة الحميمية التي تجعله يتيقن أن ما اختاره من بين أكثر من موضوع له علاقة وطيدة بمواضيع الساعة التي تجعل القارئ يهتم بها ،في زمن غاب فيه النفس الطويل في القراءة لدى شبابنا و شاباتنا للأسف الشديد ، فهم قد غيبوا قراءة الكتاب بشكل مخيف من حياتهم ، كمصدر للمعرفة وحملوا في أيديهم هواتفهم النقالة ،و أمست لاتفارقهم ، في وقت نجد أن أولئك الذين صنعوه لنا ، يحملون كتبهم في أيديهم وهم في الميثرو أو في سفرهم ...
لهذا فالكتابة أمست لمن يمارسها بحب حرفة من الحرف ، و التي يعرف صاحبها قراءه ، و ما يحبون وما يتشوقون إليه ، و ما يكرهونه و ما يرفضونه وما ينفرون منه...
كتابة بقلم :عبد الرحيم هريوى
لتحميل المقال المرجو الضغط على الرابط اسفله :