أيها الأستاذ يجب عليك أن تكون مثل ذلك العصفور المليح، الذي دخل فجأة إلى حجرة الدرس فشد إليه عقول الأطفال الصغار قبل جوارحهم...
كتابة بقلم :ذ.ع الرحيم هريوى فمن خلال هذا المنبر الإعلامي لموقعكم اللالكتروني، والمهتم بميدان التربية والتكوين ، نود أن نبلغ عبركم مشكورين ، رسالة تربوية وتعليمية لمن يهمهم شأن أطفالنا الصغار بالمدرسة الإبتدائية المغربية ،حيث سنركز فيها عن الكيفية التي يجب أن يتعامل بها الأستاذ(ة) داخل حجرة الدرس ،وهو يقدم دروسه اليومية ،أو هو يشاركهم أي نشاط تربوي أو تعليمي آخر بفضاءات المؤسسة أو بإحدى القاعات المخصصة لذلك . فكما يعرف كل ملم بعالم الطفل وحاجياته وميولاته ، فهو يميل عادة إلى اللعب والمرح ،والحب في المشاركة والمنافسة ... وكل هذه الخصائص التي تميز الطفل يجب على الأستاذ بالتعليم الإبتدائي أن يضعها في اهتماماته اليومية وهو يباشر العملية التعليمية/التعلمية حاضرا أو مستقبلا.
لأننا نريد من هذا الطفل المغربي أن يظهر مواهبه ويطور ذكاءاته المتعددة و أن ينفتح على محيطه الأسري والاجتماعي ، لنكون لديه شخصية متوازنة وقوية بدون عقد ولا خلل يذكر لا على مستوى النمو الجسمي أو العقلي أوالإدراكي /الانفعالي أ وغيره.
لكل هذا ، فلقد حان الوقت كي نراجع سلوكاتنا القديمة مع أطفالنا بالمدرسة الإبتدائية المغربية عبر ربوع الوطن ، و نتعامل معهم بما يحبون، وما يشدهم إلينا ونبتعد عن الطرق البيداغوجية الجافة والجامدة ،و التي ترتكز عادة على تبليغ معارف ومعلومات،قد يهضمها الطفل ، وتمتصها ذاكرته كما تمتص الاسفنجة الزيت ،لينجز بها تمارين معينة أو يطبقها في أنشطة كتابية لينال بها نقطة قد لا تفيده في شيء، سوى لصيرورة يستوجبها المقرر الدراسي، المثقل بكثرة المواد الدراسية التي ترهق فكره و وجدانه وقد لا تناسبه في شيء ، لأنها لاتحفزه و لا تشوقه لأشياء كثيرة يحبها ويميل إليها ،لذلك يتم نسيانها و لو بعد حين وجيز ، و لهذا نجد أكثر من مربي و مهتم بشأن الطفل بالمدرسة الإبتدائية بالخصوص يقول بعدم إعطاء النقط للأطفال في هذه المرحلة التي تعتبر الأساس و القاعدة في صيرورة باقي أسلاك التعليم، لأن ما يتعلمه الطفل هي الأشياء التي يعيشها و يميل إليها بحب ورغبة ويشارك فيها بكل طواعية ،و ربما للأسف الشديد هذه هي الأشياء الكثيرة والجميلة و المؤثرة في تكوين شخصيته هي ربما التي أهملناها في تعاطينا مع أطفالنا سواء بالبيت أو الروض أو بالتعليم الأولي وباقي أسلاك التعليم الإبتدائي بمدارسنا المغربية بالمدن كما في القرى والأرياف...
لكل هذا نتساءل جميعا عن ما هي الأشياء التي يتم تغييبها أثناء مباشرتنا للعملية التعليمية بمعية أطفالنا، وما يجب على الوزارة الوصية أن تضعه في حساباتها مستقبلا، و هي تضع البرامج و المناهج والمقررات الدراسية الجديدة ، حتى نلبي جميعا حقوق أطفالنا في تربية و تكوين مناسبين لمراحل نموهم ، و أن لايكون لها أي ثأثير سلبي على مستوى التكوين النفسي و الحركي و العقلي لشخصياتهم التي ما زلت في حاجة إلى البناء والنمو الصحيحين .
فمن خلال نتائج الدراسة الخاصة بعلم النفس التربوي بمراحل النمو عند (جون بياجي) فنجد أن هؤلاء الأطفال الذين نسهر على تربيتهم بالتعليم الإبتدائي مازالوا في مرحلتي الطفولة المبكرة و المتأخرة و من خصائص هذه المرحلة أن الأطفال يميلون إلى اللعب أكثر، مما يجعلهم لايقبلون على المشاركة فيما يقدم لهم من مواد دراسية لايجدون فيها ذواتهم أو لاتلبي حاجياتهم و ميولاتهم كأطفال أو كمجتمع صغير ،وعادة ما يغلب عليها التجريد أكثر من الملموس ، أو بعيدة عن واقعهم لأننا ربما قد نرتكب أخطاء تربوية وتعليمية جسيمة في حقهم عندما نفرض عليهم برامجا ومقررات دراسية واحدة لكل أقاليم وجهات المملكة دون مراعاة عدة خصوصيات في الجانب الجغرافي والطبيعي والبيئي و الثقافي و اللغوي و الاقتصادي وغيره...
فالمدرس اليوم يجب أن تتوفر فيه عدة شروط للقيام بمهامه التربوية/التعليمية على أحسن وجه . فزمن المدرس الجامد الذي عايشناه في العقود الماضية والذي كان يمثل الوقار و الهبة والعلم ومصدر المعرفة قد ولى، ففي زمن الألفية الثالثة التي تغلب عليها الحركة والسرعة والديناميكية في كل شيء ،لأن أي شيء الآن في عالمنا أصبح يقاس بالسرعة في الأداء والجودة والإتقان والحكامة والمشاركة وغيرها.
فالأستاذ (المعلم ) بمدارسنا الإبتدائية المغربية ، يجب أن يكون مثل ذلك العصفور المليح ذو الصوت والمنظر الجميلين ، ليشد إليه عقول الأطفال من خلال خفة حركاته وجميل صوته ، سواء أمام الأظفال بالقرب من السبورة أو هو يتجول بين الصفوف للتشجيعهم على البحث عن جواب، أو ترديد كلمة أو القيام بنشاط ما، يجدون فيه ذواتهم ، كرسمهم للوحة فنية أو القيام بحركات رياضية أو المساهمة بدور ثمثيلي في مسرحية أو حوار يتم اقتباسه من قصة قصيرة أو نص قرائي أو غيره ...لكن يجب على الأستاذ أن يخرج أطفاله من فقرات الدروس وحصصه الجامدة والساكنة التي عادة ما يملها، مثله مثل الطفل الصغير الذي ما زال بين أحضان أمه ، ففي الأول نجده يقبل على لعبة ما تثيره بألوانها ومظهرها ، وبعد مدة قد يتركها ويمشي ، لأنها لم تبق تناسبه ،و لاتلبي رغبته ، فيبحث له في محيطه عن شيء جديد يلبي فضوله أكثر...فالمدرس عندما يرى الأطفال قد شعروا بنوع من الملل فلا بد أن يساهم من تلقاء نفسه في تغيير الأجواء من خلال دفعهم للقيام بحركات رياضية بسيطة داخل الفصل ، قد تكون فيها منافسة فيما بينهم ،كأن يأمرهم في غفلة منهم وبحركاته التي يغيرها ، بالسرعة في التنفيذ لما سيسمعوه مباشرة ، هيا اجلسوا أم هيا قفوا،و هنا ستكون المنافسة شديدة بين الأطفال ،وسيرى الأستاذ كيف سيتجاوبون معه ، وهم مبتهجون فرحون سعداء لما يقومون به ، و قس على هذا ...القيام بحركات خفيفة بأيديهم يمينا وشمالا ، فيقلدون بها الأستاذ الذي أمسى منشطا وفنانا ومبدعا داخل قسمه ، وعليه أن ينزل إلى مستوى أطفاله شريطة أن لايصبح طفلا ما دام هو الموجه و المرشد والمساعد...
ففي الدول الراقية في التربية والتعليم في العالم ،نجدها تركز اهتمامها الكبير على المدرسة الإبتدائية ، لأن المراحل الآولى والأساسية في تكوين الإنسان تبدأ من هذه المرحلة بالذات. حتى يقضيها الأطفال وقد تمت تلبية كل حاجاتهم وميولاتهم النفسية والجسمية والعقلية و يحصلون على الإشباع المطلوب للذهاب بعيدا في صيرورة تكوينهم وتعليمهم مستقبلا.
إذن ؛ فالأستاذ بالتعليم الإبتدائي المغربي ، لابد أن يجعل نصب عينيه بأن الأطفال يحبون اللعب أكثر من الدراسة والتلقين ، ولأنهم سرعان ما يرهقون ويشعرون بالتعب والملل، فتجدهم يريدون التخلص من حجرة الدرس ولو بالتظاهر على الذهاب لقضاء حاجتهم، أو الشرب أو الذهاب إلى قسم آخر للاتيان بقلم أو ما شابه ذلك...فلهذا فأطفالنا يريدون منا أشياء كثيرة قد لانستطيع القيام بها ونشاركهم فيها ونلبيها لهم بكل طواعية ، وكأننا في صبيحة تربوية يتابعون فيها البهلوان الذين تعودوا وألفوا أن يضحكهم بطريقته الخاصة، وفي نفس الوقت يمرر لهم أكثر من موقف أوسلوك اجتماعي ، هم في حاجة إليه لتكوين ذواتهم والاندماج في محيطهم بشكل إيجابي .
فقد أمسى من الضروري أن نعيد عدة أشياء في منظومتنا التربوية /التعليمية /التعلمية بالتعليم الإبتدائي المغربي ، مقارنة مع الدول التي نقلدها ونستورد منها ما استجد من البيداغوجيات الحديثة ، دون تهيئ الفضاءات المدرسية سواء بالساحات أو الحجرات الدراسية و التقليص من الزمن الدراسي و التركيز على ميولات ورغبات وحاجيات الأطفال في مرحلتي الطفولة المبكرة و المتأخرة، و تكوين المدرسين تكوينا يرتكز على القيام بأشياء جديدة و مهمة لصالح الأطفال في هذه السن المبكرة والمتأخرة ،والتي نجد أن المدرس قد يقوم بها بسلاسة بهذه الدول التي نقتبس منها الطرق البيداغوجية الحديثة.
لهذا كله نقول في نهاية هذا المقال ،بأن الأستاذ الناجح في مدارسنا بالتعليم الابتدائي المغربي ، هو الذي يستطيع أن يتفاعل مع الأطفال ويقدم لهم الوجبات التي يحبونها ويرغبون فيها ، وبثوابل على مقاسه... فخلال دروسه تراه يصفق مرة ،ويتوقف ويحكي نكثة أو قصة قصيرة أو القيام بحركات بهلوانية يتقنها أو يخرجهم للساحة لتغير الأجواء في دروس يختارها قد تناسب الهواء الطلق كدروس النشاط العلمي مثلا (الظل والضوء).
فكل هذه السلوكات الجديدة التي أشرنا لبعضها ، يجب أن تعرف طريقها إلى واقع تعليمنا المغربي بالمدارس الإبتدائية، و لكن لا بد في البداية أ ن نصادف بعض الصعوبات التي قد تعترضنا لعدة أسباب، لأن هناك من يعتبر حتى أن تشارك معك الأطفال في أشياء تفرحهم وتضحكهم مضيعة للوقت و الخروج عن المألوف ، لكن يجب علينا أن نعلم جيدا بأن للطفل عالمه الخاص ، و أمسى من المفروض أن نجتهد كي نخلقه له. ونفتعل له وضعيات تربوية وتعليمية تشبع رغباته وميولاته وطموحاته وتطلعاته...
فالشاعر اللبناني مطران خليل مطران يقول في بيت شعري :
أطفالكم ليسوا أطفالكم // بل هم أبناء وبنات الحياة نفسها .