مشكلة النص
مراسلة : ذ. عبد العزيز شمار: أستاذ العربية بالثانوية التأهيلية أيت بها -اشتوكة أيت باها -يَسألُ عددٌ من التَّلامِذةِ الجادّينَ، تَحْدُوهم رغبةٌ عارِمةٌ في المعرفة والتحصيل، عن السُّبُلِ الموصِلة إلى امْتلَاك ناصيةِ اللغة العربية، والطّرقِ المبلِّغة إلى مَأمنٍ من آفاتِ اللسان وغَلطاتِ البيان، والمسالكِ الممهَّدةِ نحوَ التّرقّي في مَدارج اللغة توظيفًا مُوَفّقا لها في الوضْعيات التواصُلية المختلفة، واستيعابًا جيّدا لنصوصها الرّفيعةِ على اختلافِ مجالاتها وموضوعاتها. يَسألُ هؤلاء عن حلولٍ لمشكلاتِ يُعانُونها، وهُم يحاوِلون كتابةَ موضوع إنشائيّ، لأنّ الأقلامَ تضطربُ بين أصابعهم تَعجِزُ عن أن تركّب جملا مفيدةً سليمةً، فضْلا عن أن تَبنيَ نصّا تامّا ومُتكاملا، حتىّ غدَت مُطالبتهم بكتابة فِقْرةٍ قصيرةٍ تكليفًا ضخمًا بما لا طاقة لَهم به، وحَملا على هوْلٍ لا قِبَل لهم بِمُجابهته. ويسألُ أولئك عن علاجٍ يُداوي ما أصابهم من العنَت والضَّيْقِ وهم يَقرؤُون النّصوص فلا يَفهمونها ولا يستوعِبون مضامينَها، ولا يَستطيعون تَبَيُّنَ القضايا التي تَتناولها، لأنّ بِضاعتهم من اللغةِ مُزْجَاةٌ، وتواصُلَهم مع النّصوصِ يَكاد يكونُ معدومًا.
وبِاختصار، إن للمتعَلّمين والمتعلّمات مُشكلةً مع النّصّ. يتحدّاهُم النّصُّ من جِهتين اثنتين: جهةِ فهمهِ وتأويلهِ، وجهةِ إنتاجهِ وكتابتهِ. مِنَ التّلاميذِ مَن وجَد الحلَّ في الاسْتقالةِ فأعْفى نفسَه من المسؤُوليةِ وألقاهَا على غيرهِ. فلمْ يعُد النصُّ موضوعا يشغَله، إذا رآه أنكَرَه، وإذا سُئل عنه لم يُجبْ، وإذا دُعِيَ إلى مأْدُبَتهِ لم يحضُرْ ولم يعتذِرْ، إلّا أنْ يكونَ فرْضا أو امْتحانا وحينئذٍ يسْتَعجِم النصُّ عليه وتَحتجِبُ معانيهِ عن فكْرِه، ويخرُج من لقائِهِ بِه خائبًا. ومِنهم من قرّر أن يتواصلَ مع النصِّ بقَدَرٍ، فأعطاهُ جزءا قليلا من جُهده ووقته، فتمكّن من التّحكّم فيه تحكّما نِسبيّا تَلقِّيًا وإنتاجًا، وكان في ذلك نَجاتُه يوم الاختبارِ. ومِنهم من اعتبرَ النصَّ قضيةً جوهريةً في حياته، فصاحبَه وصادقَه، وأخلص له، واجتهد في تعلُّمه ملاحظةً وتأطيرا وفهما وتحليلا وتركيبا وتقويما، وثابرَ في التدرُّبِ على كتابته وإنتاجه وإبداعه، فأحبَّ النصَّ حتى أحبَّهُ النصُّ، وحتى غدَا لقاؤُهما أيّام الفروض والاختبارات أعيادا بهيجة تُثْمرُ أفراحا متّصلة.
ولا شكّ أن حدّةَ مشكلةِ النصِّ لدى المتعلِّمين تتفاوت من مُتعلّم إلى آخرَ، واستعداداتِهم لمواجهتها ليست على مستوى واحدٍ. غيرَ أنهم جميعا لا مفرّ لهم من أن يتعاملوا مع الصعوباتِ التي يطرحها النصُّ عليهم وأن يبذُلوا قُصارى الجهدِ لتذليلها والتغلُّب عليها، كلٌّ حسبَ طاقته وإمكانته، وأن يلتمسوا المعونةَ والنصح والإرشاد في ذلك من مُدرّسيهم ومكوّنيهم طلبا لمقترحات وحلول تنير لهم سبيل اقتحام عقَبةِ النص الكأْداء.
لا أزعمُ، هنا، أني أقدّم حلولا سحرية، بل مجردَ اقتراحات أحسَبُ أنها لا تخلو من فائدة، وقد تُساعد الجادّين من المتعلمين والمتعلمات الذين يحبّون العلمَ والمعرفة ويريدون أن يرتَقُوا بقدراتهم في تعلم اللغة العربية واكتسابها، على تجاوزِ بعض الصعوبات التي تعترضهم، وتنميةِ مُؤهلاتهم اللغوية، وتحسينِ مستوياتهم في القراءة والكتابة. وسأختزلُ هذه المقترحاتِ في برنامجيْن اثنين، يأخذ كل متعلّم جادّ بالبرنامج الذي يناسبُه بحسب مستواه، وتبعا للرغبة التي تحرّكه. فالقانعون بالحد الأدنى من التعلم قد يَكفيهم البرنامجُ الأدْنَى، والطامحون إلى التفوّق والكينونة مع المتميّزين أو النّاوون متابعةَ دراساتهم الجامعيةِ في تخصُّص اللغة العربية أو التخصصات المجاورة، لا مناص لهم من التعلق بالبرنامج الأسْنَى.
أولا: البرنامج الأدنى:
يضم ثلاثة محاور متكاملة:
1- محور الاستعداد: أن يستعدَّ التلميذ للاجتهاد في التعلم استعدادا ماديا ومعنويا وخلقيا:
أ/ الاستعداد المادي: بإحضار الوسائل التعليمية الضرورية (الكتاب المدرسي، دفتر الدروس، دفتر التحضير...).
ب/ الاستعداد المعنوي: بمواكبة المسائل التعليمية من خلال الحضور النفسي والتركيز الذهني.
ج/ الاستعداد الخلقي: بالتحلّي بالفضائل والخصال الحميدة والآداب الرفيعة اللائقة بكل طالب علم سواءٌ في علاقته بزملائه أم بمدرسه.
إن الاستعداد بأنواعه شرط ضروري للاجتهاد.
2- محور الاجتهاد: أن يجتهدَ التلميذ في التعلم والتحصيل مُحضِّرا ومُشارِكا ومُراجِعا، مستثمرا الزمان والمكان.
أ/ اجتهاد التحضير: بالإعداد القبلي تهييئا للمشاركة في إنجاز الدرس.
ب/ اجتهاد المشاركة: بالإسهام الفعال في إنجاز الدرس.
ج/ اجتهاد المراجعة: بمذاكرة الدرس لتثبيته وترسيخه.
إن الاجتهاد بأنواعه شرط ضروري للحصاد.
3- محور الحصاد: أن يحصدَ ثمرة استعداد واجتهاده مُختبَرا ومُكلَّفا ومُتطوِّعا.
أ/ الحصاد الاختباري: بأن يجريَ الفروض والاختبارات، ليقيس درجة تحكّمه في المكتسبات، ويُقوِّم تعلّماته، ويحصل على النقطة العددية التي يستحقها.
ب/ الحصاد التكليفي: بأن يقومَ بالتكاليف المطلوبة منه، لتنمية تعلماته، وتطوير قدراته، وتعزيز حضوره داخل جماعة الفصل.
ج/ الحصاد التطوعي: بأن يتطوعَ بإنجاز عروض أو أبحاث مستثمرا المصادر والمراجع ووسائل التواصل الحديثة، سعيا إلى بناء شخصيته وتكوين ذاته.
ثانيا: البرنامج الأسنى: زيادة على البرنامج الأدنى يلتزم المتعلم بما يلي:
4- محور الاستمداد: أن يتوخَّى المتعلم تأهيل ذاته معرفيا ومنهجيا ومهاريا غير مكتف بالكتاب المدرسي ودفتر الدروس، ولكن، مستعينا بالمراجع والمصادر والموارد النافعة له في مساره التعلمي التكويني إذا عزم على التفوق والتألق.
وأقترح عليه طائفة من الكتب التي يمكن أن يجد فيها مَعِينًا مُعِينًا ينهل منه عند الحاجة. و تغطي الكتب المقترحة أهم العلوم والمعارف والمهارات التي يدرسها ويلزمه أن يكون له إلمام معتبر بها. ولا عبرة بالكتاب في حد ذاته، بل العبرة بالمعرفة التي يقدمها والعلم الذي يضمه، فله أن يرجع إلى غيرها مما يتيسر له الحصول عليه.
الكتب المقترحة:
• في النحو والصرف واللسانيات:
- التطبيق النحوي، تأليف: عبده الراجحي
- التطبيق الصرفي، تأليف: عبده الراجحي
- جامع الدروس العربية، تأليف: مصطفى الغلاييني
- النحو الوافي، تأليف: عباس حسن
- اللغة العربية معناها ومبناها، تأليف: تمام حسان
- مبادئ اللسانيات، تأليف: أحمد محمد قدور
• في البلاغة:
- البلاغة الواضحة، تأليف: علي الجارم ومصطفى أمين
- جواهر البلاغة، تأليف: أحمد الهاشمي
- علوم البلاغة، تأليف: أحمد مصطفى المراغي
- البلاغة تطور وتاريخ، تأليف: شوقي ضيف
• في العروض:
- شرح كتاب أهدى سبيل إلى علمي الخليل العروض والقافية، تأليف: محمود مصطفى، شرحه وضبطه وكتب هوامشه: نعيم زرزور
- الوافي في العروض والقوافي، تأليف: الخطيب التبريزي
- موسيقى الشعر العربي، تأليف: حسني عبد الجليل يوسف
• في الأدب:
- الفن ومذاهبه في الشعر العربي، تأليف: شوقي ضيف
- الفن ومذاهبه في النثر العربي، تأليف: شوقي ضيف
- الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث، تأليف: محمد الكتاني
- الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، تأليف: عز الدين إسماعيل
• في النقد:
- تاريخ النقد الأدبي عند العرب، تأليف: إحسان عباس
- النقد الأدبي الحديث، تأليف: محمد غنيمي هلال
- مناهج النقد المعاصر، تأليف: صلاح فضل
• في مهارات التعبير والإنشاء:
- دليل تقنيات التواصل ومهارات التعبير والإنشاء، تأليف: محمد أولحاج
- مبادئ تحليل النصوص الأدبية، تأليف: بسام بركة، وماتيو قويدر، وهاشم الأيوبي.