«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، مثل شعبي يردده المغاربة عندما يتفاجأون بحدث سياسي أو اجتماعي، وإن كانت المفاجآت في هذا البلد لا تعكس واقع ومدلول الكلمة بسبب كثرتها. وهذه المرة يتعلق الأمر بوزير التعليم والتربية رشيد بلمختار، الذي يجهل الحديث باللغة العربية ويستهزئ بالنواب في البرلمان عندما يسألونه عن التردي المسجل في هذا القطاع الحساس والاستراتيجي لكل الأمم التي ترمي إلى الرقي والتقدم.
خلال الأسبوع الماضي، سجل البرلمان، غرفة الشيوخ، حادثا سيبقى من ضمن الجلسات الأكثر سلبية في تاريخه. فقد تقدمت نائبة من غرفة الشيوخ، يسميه المغاربة مجلس المستشارين على عادتهم لتسجيل استثناء في كل شيء حتى في الأسماء، مقارنة مع الباقي، بسؤال عن الإجراءات التي اتخذها الوزير في قطاع التعليم، وتثير ضجة وقلقا في الأوساط الاجتماعية والسياسية المغربية.
فما كان من الوزير سوى التصرف بطريقة غريبة، وهي السخرية من السؤال وسط البرلمان وأمام الكاميرا التي كانت تنقل الجلسة، نعم البرلمان الذي يفترض أنه يمثل سيادة الشعب، رغم الشكوك حول نتائج الانتخابات. وبينما النائبة تعرب عن أسفها وقلقها على قطاع التعليم، الذي من ضمن مشاكله اكتظاط يتجاوز الـ60 تلميذا في الفصل الواحد، استمر الوزير في اللعب بهاتفه وتبادل حديث ساخر مع وزير آخر كان بجانبه. ويسجل المشهد السياسي والاجتماعي احتجاجات ضد الوزير، تتزامن مع إضرابات متواصلة لموظفي التعليم وللتلاميذ والطلبة في مختلف مدن البلاد. والجميع يتساءل: هل يمكن لوزير يتولى تسيير قطاع حساس، السخرية من نواب يعربون عن قلقهم على قطاع قد يكون أهم قطاع في أي دولة لأنه أساس التقدم؟
توالت الردود من طرف الشعب إلا من طرف الطبقة الحاكمة، المؤسسة الملكية والحكومة. ولقد كان تصريح الصحافي المخضرم خالد الجامعي بليغا في هذا الشأن في حوار مع الجريدة الرقمية «بديل» نشرته ليلة الأحد، يقول»إذا كان الوزير يدعي أن الملك هو من عينه، فالملك عليه تربية هذا الوزير، لأن ما قام به هو سلوك ضد التعليم وضد والبرلمان والدستور المغربي». وإذا كان الملك قد اعترف بالتدهور في قطاع التعليم، خلال خطاب له في شهر أغسطس الماضي، أليس مطالبا من باب المنطق ومن باب احترام الشعب إقالة وزير لا يحترم البرلمان ولا يبدي قلقا، حسب تصرفه، قلقا تجاه القطاع الذي يسيره؟
لكن غرائب قطاع التعليم في المغرب، ومنها هذا الوزير، لا تقف عند هذا الحد، بل تتعداه إلى تسجيل ربما أغرب حالة في تاريخ التعليم في العالم، باستثناء ما حصل إبان مراحل الاستعمار. ففي برنامج في القناة الفرنسية 24 في نسختها بالعربية، طلبت صحافية من الوزير تصريحا باللغة العربية حول واقع التعليم في البلاد، فكان جوابه «لا أتحدث باللغة العربية» وأراد الجواب بالفرنسية.
حادث يحل مفارقة عميقة، فوسيلة إعلام فرنسية تريد التحدث مع وزير التعليم المغربي بالعربية، ويكون الجواب هو عجز هذا الوزير عن التحدث بلغة تعتبر رسمية وفق الدستور المغربي، ويتحدثها أغلب المغاربة رفقة الأمازيغية.
موقف الوزير دفعني إلى القيام بجولات طويلة في شبكة الإنترنت بحثا عن وزراء التعليم في العالم، ووجدث الجميع يتحدث باللغة الرسمية ولغة الشعب والوطن باستثناء وزير التعليم المغربي، الذي يستحق الدخول الى كتاب غينتس، لكنه يجب أن يكون خاصا بالأرقام القياسية الشاذة التي لا تتماشى والمنطق، فالوزير لم يحطم أي رقم قياسي في التفوق والنجاح، بقدر ما يساهم في تدهور قطاع التعليم في البلاد. وكان الائتلاف من أجل اللغة العربية قد طالب بإقالة هذا الوزير لحالته الغريبة بعدم التحدث باللغة العربية التي هي لغة التعليم. وقد نجد مبررا لو كان الوزير نابغة في تسيير قطاع التعليم، فقد سبق أن أشرف في الماضي على القطاع نفسه وتولى تسيير جامعة الأخوين ذات الإمكانيات الهائلة، فلا القطاع سجل تقدما من قبل، ولا الجامعة ارتقت إلى مصاف الألف جامعة الأولى في الترتيب حتى لا نقول المئة. ولهذا، لم يتفاجأ الرأي العام المغربي بإقدام هذا الوزير منذ عشرة أيام على تغيير تلقين المواد العلمية والتقنية في الثانويات إلى اللغة الفرنسية، بدل اللغة العربية. قرار اتخذه بدون العودة الى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، فوزير التعليم يدخل في خانة ما يسمى «وزراء السيادة» في المغرب، وهو تعبير سياسي للوزراء الذين يعينهم الملك مباشرة.
ومن أبرز الانتقادات التي يتم توجيهها إلى القرار هو أنه يأتي بعد حملة قوية ضد فرنسا خلال السنة الماضية وحتى بداية الجارية. واتهمت الدولة المغربية باريس بأنها ترغب في ترك المغرب تحت حمايتها وسيطرتها الثقافية والسياسية، والآن تقدم الدولة نفسها على فرنسة المواد العلمية بدون قرار حكومي أو برلماني.
كل هذا يأتي في وقت كانت الدولة المغربية تتبنى مطالب بتعليم هذه المواد ولو تدريجيا باللغة الانكليزية بحكم أن معظم العلوم في العالم تنتج وتحرر بهذه اللغة، التي أصبجت لغة العلم بدل الفرنسية التي تتقلص. وبدورهم يفكر الفرنسيون في تلقين العلوم بالإنكليزية، لكن في آخر المطاف «الدولة العميقة التي كانت تنتقد فرنسا تعود إلى أحضانها».
«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، لا يردد المغاربة هذا المثل الشعبي لإيقاعه الموسيقي، بل لأنه يعكس الواقع، لكنه واقع مر.
٭ كاتب مغربي
د. حسين مجدوبي
خلال الأسبوع الماضي، سجل البرلمان، غرفة الشيوخ، حادثا سيبقى من ضمن الجلسات الأكثر سلبية في تاريخه. فقد تقدمت نائبة من غرفة الشيوخ، يسميه المغاربة مجلس المستشارين على عادتهم لتسجيل استثناء في كل شيء حتى في الأسماء، مقارنة مع الباقي، بسؤال عن الإجراءات التي اتخذها الوزير في قطاع التعليم، وتثير ضجة وقلقا في الأوساط الاجتماعية والسياسية المغربية.
فما كان من الوزير سوى التصرف بطريقة غريبة، وهي السخرية من السؤال وسط البرلمان وأمام الكاميرا التي كانت تنقل الجلسة، نعم البرلمان الذي يفترض أنه يمثل سيادة الشعب، رغم الشكوك حول نتائج الانتخابات. وبينما النائبة تعرب عن أسفها وقلقها على قطاع التعليم، الذي من ضمن مشاكله اكتظاط يتجاوز الـ60 تلميذا في الفصل الواحد، استمر الوزير في اللعب بهاتفه وتبادل حديث ساخر مع وزير آخر كان بجانبه. ويسجل المشهد السياسي والاجتماعي احتجاجات ضد الوزير، تتزامن مع إضرابات متواصلة لموظفي التعليم وللتلاميذ والطلبة في مختلف مدن البلاد. والجميع يتساءل: هل يمكن لوزير يتولى تسيير قطاع حساس، السخرية من نواب يعربون عن قلقهم على قطاع قد يكون أهم قطاع في أي دولة لأنه أساس التقدم؟
توالت الردود من طرف الشعب إلا من طرف الطبقة الحاكمة، المؤسسة الملكية والحكومة. ولقد كان تصريح الصحافي المخضرم خالد الجامعي بليغا في هذا الشأن في حوار مع الجريدة الرقمية «بديل» نشرته ليلة الأحد، يقول»إذا كان الوزير يدعي أن الملك هو من عينه، فالملك عليه تربية هذا الوزير، لأن ما قام به هو سلوك ضد التعليم وضد والبرلمان والدستور المغربي». وإذا كان الملك قد اعترف بالتدهور في قطاع التعليم، خلال خطاب له في شهر أغسطس الماضي، أليس مطالبا من باب المنطق ومن باب احترام الشعب إقالة وزير لا يحترم البرلمان ولا يبدي قلقا، حسب تصرفه، قلقا تجاه القطاع الذي يسيره؟
لكن غرائب قطاع التعليم في المغرب، ومنها هذا الوزير، لا تقف عند هذا الحد، بل تتعداه إلى تسجيل ربما أغرب حالة في تاريخ التعليم في العالم، باستثناء ما حصل إبان مراحل الاستعمار. ففي برنامج في القناة الفرنسية 24 في نسختها بالعربية، طلبت صحافية من الوزير تصريحا باللغة العربية حول واقع التعليم في البلاد، فكان جوابه «لا أتحدث باللغة العربية» وأراد الجواب بالفرنسية.
حادث يحل مفارقة عميقة، فوسيلة إعلام فرنسية تريد التحدث مع وزير التعليم المغربي بالعربية، ويكون الجواب هو عجز هذا الوزير عن التحدث بلغة تعتبر رسمية وفق الدستور المغربي، ويتحدثها أغلب المغاربة رفقة الأمازيغية.
موقف الوزير دفعني إلى القيام بجولات طويلة في شبكة الإنترنت بحثا عن وزراء التعليم في العالم، ووجدث الجميع يتحدث باللغة الرسمية ولغة الشعب والوطن باستثناء وزير التعليم المغربي، الذي يستحق الدخول الى كتاب غينتس، لكنه يجب أن يكون خاصا بالأرقام القياسية الشاذة التي لا تتماشى والمنطق، فالوزير لم يحطم أي رقم قياسي في التفوق والنجاح، بقدر ما يساهم في تدهور قطاع التعليم في البلاد. وكان الائتلاف من أجل اللغة العربية قد طالب بإقالة هذا الوزير لحالته الغريبة بعدم التحدث باللغة العربية التي هي لغة التعليم. وقد نجد مبررا لو كان الوزير نابغة في تسيير قطاع التعليم، فقد سبق أن أشرف في الماضي على القطاع نفسه وتولى تسيير جامعة الأخوين ذات الإمكانيات الهائلة، فلا القطاع سجل تقدما من قبل، ولا الجامعة ارتقت إلى مصاف الألف جامعة الأولى في الترتيب حتى لا نقول المئة. ولهذا، لم يتفاجأ الرأي العام المغربي بإقدام هذا الوزير منذ عشرة أيام على تغيير تلقين المواد العلمية والتقنية في الثانويات إلى اللغة الفرنسية، بدل اللغة العربية. قرار اتخذه بدون العودة الى رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، فوزير التعليم يدخل في خانة ما يسمى «وزراء السيادة» في المغرب، وهو تعبير سياسي للوزراء الذين يعينهم الملك مباشرة.
ومن أبرز الانتقادات التي يتم توجيهها إلى القرار هو أنه يأتي بعد حملة قوية ضد فرنسا خلال السنة الماضية وحتى بداية الجارية. واتهمت الدولة المغربية باريس بأنها ترغب في ترك المغرب تحت حمايتها وسيطرتها الثقافية والسياسية، والآن تقدم الدولة نفسها على فرنسة المواد العلمية بدون قرار حكومي أو برلماني.
كل هذا يأتي في وقت كانت الدولة المغربية تتبنى مطالب بتعليم هذه المواد ولو تدريجيا باللغة الانكليزية بحكم أن معظم العلوم في العالم تنتج وتحرر بهذه اللغة، التي أصبجت لغة العلم بدل الفرنسية التي تتقلص. وبدورهم يفكر الفرنسيون في تلقين العلوم بالإنكليزية، لكن في آخر المطاف «الدولة العميقة التي كانت تنتقد فرنسا تعود إلى أحضانها».
«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب»، لا يردد المغاربة هذا المثل الشعبي لإيقاعه الموسيقي، بل لأنه يعكس الواقع، لكنه واقع مر.
٭ كاتب مغربي
د. حسين مجدوبي
للولوج للمصدر المرجو الضغط على الرابط اسفله: