كثيرا ما يشتكي مدرسو اللغات الأجنبية في المؤسسات الثانوية على الخصوص أثناء اللقاءات التربوية أو في مجالسهم الخاصة من نوعية من التلاميذ تجتمع لديهم كثير من المشاكل و المعوقات، فتجعل اندماجهم داخل الفصل الدراسي أمرا بالغ الصعوبة. من هذه المشاكل ما يتعلق بالضعف البين على مستوى الرصيد اللغوي من جهة و غياب الاهتمام و الحافزية لتدارك ذلك النقص من جهة أخرى. من هذا المنطلق تنتج علاقة مشحونة و متوترة بين هؤلاء المتعلمين و مدرسيهم تؤدي إلى جو عام داخل الفصل يطبعه التنافر و التصادم.
و نحن هنا لسنا بصدد التقصي في أسباب ضعف مستوى هؤلاء التلاميذ، أو توجيه الاتهامات و تحميل المسؤوليات إلى هذه الجهة أو تلك و لا نحن بصدد اقتراح وصفات بيداغوجية لتجاوز ذلك المشكل. إنما نريد مقاربة الأمر من بعده الإنساني و التفكير في بدائل علائقية داخل الفصول الدراسية عامة و فصول اللغات الأجنبية على وجه الخصوص.
ننطلق في حديثنا هنا من واقع مفاده أن بعض تلامذتنا في المستوى الثانوي لا يمتلكون الحد الأدنى من المعارف اللغوية لمواكبة العملية التعلمية و لا هم يبدون أي اهتمام أو رغبة في إصلاح ما أفسدته الظروف المتعددة التي مروا بها خلال مسارهم الدراسي مما يؤدي إلى إهمال المدرسين لهذه الفئة من التلاميذ و تهميشهم دون أي قصد سيئ في غالب الأحيان.
و عليه، كيف يجدر التعامل مع هذا الشخص كإنسان ذو كرامة و حقوق قبل أن يكون تلميذا؟ كيف نستحضر كمربين البعد الإنساني في نظرتنا إليه؟ كيف نزاوج بين دور المعلم و المربي في ممارستنا الفصلية؟
لننطلق من مقولة قد يتفق عليها الجميع : "إذا لم تستطع أن تنفعه فلا تضره" بمعنى أننا قد لا نوفق كمدرسين في النهوض بالمستوى اللغوي لبعض التلاميذ "الميؤوس من حالتهم" لكننا بالتأكيد نستطيع غرس قيم نبيلة في نفوسهم، نستطيع أن نصاحبهم و ننصت إلى همومهم و انشغالاتهم، نستطيع أن نقدم لهم مثالا طيبا من أنفسنا و نربيهم على احترام الذات و الآخر. نستطيع أن نحبهم و ندعمهم نفسيا، أن نجعلهم يغادرون المدرسة بأقل كم من العقد و بكثير من المواقف و الرؤى الايجابية تجاه الحياة و الإنسان.
إن تلاميذ المرحلة الثانوية هم من فئة المراهقين، و لعل الكل يعلم بطبيعة الحال مدى خطورة و حساسية هذه المرحلة العمرية. في هذا السن يتضخم الإحساس بالذات و يصبح المراهق أكثر اهتماما بكرامته و صورته أمام الآخر. لذلك وجب الاحتياط عند تعامل المدرس مع هؤلاء و خصوصا ضعاف المستوى منهم. يستطيع المدرس أن يوسع مجال أنشطته لتشمل هذه الفئة ذات المستوى اللغوي الهش كأن يجعلهم ينخرطون في بعض الأنشطة الموازية كالرسم و التصوير مثلا أو الاستعانة بهم في تشغيل الوسائل التكنولوجية في القسم، أو قد يطلب منهم المساهمة في تنظيم و إخراج بعض الأعمال الفنية كالمسرح و المجلات الحائطية و غير ذلك.
لقد أدرج العالم الأمريكي أبراهام ماسلو ضمن هرمه الشهير للحاجات حاجتين أساسيتين و هما الحاجة للتقدير و الحاجة لتحقيق الذات، و لعلهما من أهم حاجات المراهق، فلم لا نساعد التلاميذ ضعاف المستوى بأن نشعرهم أن بإمكانهم التفوق في مجال ما وأن نمدحهم أمام زملائهم وأن نقوي شعورهم بالثقة في النفس و احترام الذات. على المدرس أن يوحي إلى تلاميذه أن النجاح لا يعني بالضرورة التفوق في المادة التي يدرسها هو، و لا يعني بالضرورة الحصول على شهادة البكالوريا، فكم من شاب لم يتسن له ذلك لكنه مضى في حياته قدما محققا نجاحا باهرا في حياته المهنية.
إن العلاقة الإنسانية بين المدرس و التلميذ تكون إيجابية حين يطبعها الاحترام و التقدير بغض النظر عن أداء التلميذ في مختلف الأنشطة و الدروس، فهو إنسان أولا و أخيرا. فإذا كان الأب مطالبا بمصاحبة ابنه في هذه الفترة العمرية بالذات طبقا للأثر المنسوب لسيدنا عمر "لاعبه سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً" فإن المدرس مطالب أيضا أن يؤسس مع متعلميه روابط إنسانية و وجدانية ليساهم في تكوين المواطن الفاعل و الواثق من نفسه و المتوازن نفسيا و سلوكيا.
مصطفى زهير، أستاذ اللغة الإنجليزية بالثانوي التأهيلي