التربية على القيم أساس التنمية الشاملة
تحظى مسألة القيم باهتمام العديد من المجتمعات إن لم نقل كلها، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي وصل إلى درجات متقدمة في زمننا الحالي، والذي رافقه ظهور اتجاهات وقيم وسلوكات وأنماط تفكير مست جوانب من حياة هذه المجتمعات. وايمانا منا بكون الإنسان هو الكائن الوحيد الحامل لكل القيم، وكون هذه الأخيرة هي الموجه الأساسي للسلوك الوجداني والثقافي والاجتماعي والسياسي عنده، فإن دراسة القيم والتربية عليها أمر لا محيد عنه، من أجل معرفة محركات السلوكات والتفاعلات المرتبطة بالإنسان، بهدف توجيهها واستثمارها في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع.
حين نتحدث عن التربية على القيم، فالأمر يتعلق بعملية تنشئة الأجيال على أسس ومرتكزات تجنح بهم إلى الديموقراطية والمساواة والعدل والسلم واحترام الاختلاف والتعايش مع الآخر، والتحاور معه، وحب كل القيم الايجابية في هذه الحياة...إن هذه القيم هي التي من شأنها أن تبني الإنسان، هذا الأخير الذي يعول عليه للانخراط في صيرورة البناء والنماء. وحيث أن التربية فعل يمارسه الراشد المؤهل على غير الراشد، فإن الأمر يحتم الوقوف عند المؤسسات المسؤولة عن التربية على القيم.
إن اكساب وترسيخ القيم لا يتحققان بجهد مؤسسة اجتماعية وتربوية واحدة، بل لا بد من تظافر جهود مؤسسات عدة تتقاسم فيما بينها الأدوار والخطوات والاجراءات لتتحمل مسؤولية التربية على القيم، وتأتي في مقدمة هذه المؤسسات: الأسرة والتي تعتبر المنبت الأول للتربية على القيم، وهي تعد من أهم المؤسسات التي تحتضن العلاقات الإنسانية، وفيها يكتسب الطفل قيمه الأولى، لهذا ينتظر من الوالدين تحمل مسؤوليتيهما في مسألة الانخراط في تنشئة ابنائهم على القيم الايجابية، ويلعب الوسط العائلي دورا أساسيا في ترسيخ القيم المشار إليها سابقا، وقد يحصل العكس في حالة تغلغل الجهل والأمية وتأزم الظروف الاقتصادية والاجتماعية داخل كيان الأسرة. وتأتي المدرسة في المرتبة الثانية في مسار التربية على القيم. قد يتفق الجميع على أن المؤسسات التربوية تتحمل المسؤولية الجسيمة في إعداد الإنسان الحامل للقيم، لأن المدرسة هي مرآة للمجتمع، ولهذا فإن طموحات المجتمع وقيمه يجب أن تحظى بالاهتمام البالغ في بناء المناهج. وكثيرون من يصورون المدرسة كمجتمع مصغر، ففي هذا الفضاء يجب أن تتوفر بيئة مدرسية ملائمة لتربية المتعلمين على القيم فكرا وممارسة، فلا يمكن أن يستقيم الأمر اذا كان المتعلم يبني معرفة حول القيم داخل الفصل ويشاهد ما يناقض ذلك خراجه، ولا يمكن أن يتشبع المتعلم بالقيم اذا ساد الظلم والتسلط والعنف فضاء المؤسسة التربوية، كما لا يمكن أن نفرض على المتعلم ترسانة من القوانين لم يشارك في صياغتها، ودون أن يتمتع بتمثيلية معقولة داخل كل مجالس المؤسسة التي ينتمي إليها لكي يساهم في تسيير وتدبير شؤونها وفق ما تشير إليه التشريعات المدرسية، كسبيل لترسيخ القيم ،ولا يمكن أن نبني إنسانا حاملا لنفس القيم في ظل تعدد مدرسي تتولاه مدرسة تراثية بتعليم عتيق في المعاهد الدينية، ومدرسة حديثة بتعليم عصري في المؤسسات الخاصة ومؤسسات البعثات التعليمية الأجنبية، ومدرسة عمومية تحاول التوفيق بين هذا وذاك. وفي الأخير تصطف وسائل الاعلام والأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني لتساعد الأسر بتقديم المعلومات، والمعرفة، والحقائق اللازمة لبناء القيم، وتمم عمل المدرسة في بناء الإنسان المواطن.
إن الأفواج التي تتخرج من مختلف المؤسسات التربوية- سواء أنهت مسارها الدراسي أو لم تتمكن من ذلك، هي التي تتحمل المسؤولية في مجموعة من مؤسسات الدولة، وهي التي تشارك في تسيير الشأن المحلي والعام سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، هي التي تنخرط في الأحزاب والنقابات والجمعيات- يفترض أنها تشبعت بالقيم الايجابية ، هذه القيم ستدفع الناس إلى الأفعال التي تفيد المجتمع، وتحقق تقدمه ورفاهيته، وترفع من قيمة الإنسان ،وتبني مجتمعا حضاريا. وإن حصل العكس فالخلل تتقاسمه كل الجهات التي لها أثر في تكوين واكتساب وترسيخ القيم.
عبد الجبار كارح
مفتش تربوي بنيابة العرائش.