النص الكامل لحوار د. محمد الدريج مع جريدة "الأخبار" (العدد 3)


نشر في تطوان نيوز يوم 09 - 12 - 2012
سؤال : وصفتم في مقال لكم سابق عملية إلغاء بيداغوجيا الإدماج بالقرار المتسرع،لكونه لم يأت نتيجة لدراسات تقويمية،بصفتكم باحث متمرس في علوم التربية، ماهو تقويمكم لهذه البيداغوجيا؟ وهل يمكنها أن تسعف المدرسة المغربية في حل معضلة التعلمات؟
استسمحكم وقبل الإجابة عن سؤالكم بإشارة سريعة لما تسميه وزارة التربية الوطنية حاليا مخططا تنمويا استراتيجيا برسم الفترة 2013-2016 ، والذي يهدف إلى " تعزيز استقلالية المؤسسات التعليمية والشفافية وجعل الفاعلين في القطاع مسؤولين ." ويرتكز هذا المخطط التنموي على خمسة مجالات أساسية تحكم القطاع وهي العرض المدرسي وجودة التعليم والمؤسسات المدرسية والحكامة والموارد البشرية".والذي وضع على عجل بعيدا عن الأنظار، وسيستمر العمل به للسنوات الأربع القادمة ، في اعتقادي فإنه ليس إستراتيجية إصلاحية حقيقية تشاركية وتعاقدية بل هي على ما يبدو ، مجرد تصريف "مقنع" (بفتح النون) ، لما تبقى من البرنامج الاستعجالي ،... كما قدمت وزارة التعليم العالي مخطط عمل قطاعي لنفس الفترة ، أطلقت عليه رباعية جديدة، ويهدف إلى "ترصيد مكتسبات البرنامج الاستعجالي" ومعالجة مواطن الضعف والاختلال ومواصلة النهج التعاقدي لضمان تدبير مرتكز على النتائج وقيادة فعالة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، وسنعود إلى هذا الموضوع في مستقبل قريب إن شاء الله .
فعلا قرار إلغاء بيداغوجيا الإدماج قرار متسرع ومرتجل وغير بيداغوجي ،إنه قرار "سياسي أمني " كان الغرض منه تهدئة النفوس و إرضاء فئة من الغاضبين والرافضين في بداية تسلم الحكومة الجديدةلمهامها ،على حساب استقرار المنظومة وفعاليتها وتراكم تجارب النجاح والتقويم المستمر ومحاسبة المقررين والفاعلين والتعلم من الأخطاء... مثله مثل قرار إلغاء "مدارس التميز" ظنا من المسئولين الجدد، بان ذلك يساير برنامج الحزب و يلائم تصور الحركة الوطنية في بدايات الاستقلال و التي كانت ترفض عن حق ، التمييز بين مدارس النخبة (مدارس الاستعمار) ومدارس الشعب ودون معرفة للأسباب التربوية الحقيقية وراء إحداث أقسام و مدارس التميز في مختلف جهات البلاد والتي نحن في اشد الحاجة إليها.
إن مثل هذه القرارات ، وهي كثيرة ، والتي لا تستند إلى دراسات وبحوث ولا إلى استشارات ومشاركة واسعة وتفتقد للرؤية المستقبلية ولا تطرح بدائل، لا تشخص الأسباب الحقيقية للداء، فلا تصيب بالتالي العمق . إنها قرارات تثير الضجيج بل والاضطراب ، ينقصها العمل المتأني و المدروس والمندرج ضمن استراتيجية استشرافية شاملة، تجعلنا نشك في مصداقية الوزارة وفي إرادتها ومصداقية الحكومة ككل وتعمق من فقدان الثقة لدى جميع المرتبطين بشكل مباشر او غير مباشر بالمنظومة التربوية و خاصة بالمدرسة العمومية ، وفي قدرتها على المواكبة والتطور وعلى المساهمة الفعالة في التربية والتعليم وتأهيل الكفاءات و تنمية البلاد. ومن عواقبها الوخيمة على المدى القريب أنه سيكون من الصعب ، بعد الآن ، إقناع الفاعلين التربويين (المدرسين والمشرفين و الإداريين وأيضا أولياء الأمور والتلاميذ وجمعياتهم ...)، بأي إصلاح بيداغوجي ممكن و بأي تجديد تربوي محتمل . ومن عواقبها على المدى البعيد خلق نوع من فقدان الثقة في النفس وفي قدرتنا على الإصلاح والتطور و الإبداع في جميع المجالات وليس فقط في قطاع التعليم .
فأين نحن من برامج أحزاب الائتلاف الحاكم ومن ضمنها برنامج حزب الاستقلال ،حول إصلاح منظومة التربية والتعليم ببلادنا ؟
كان من الضروري إجراء تقويم موضوعي ودقيق لهذه البيداغوجية ونتائجها وما لها وما عليها وهل طبقت بنجاح في دول أخرى...قبل اتخاذ إقرارها أولا و قرار إلغائها منذ اليوم الأول . والبحث في المعيقات التي حالت دون تطبيقها أصلا من لدن عدد كبير من الممارسين على مستوى التعليم الابتدائي والبحث في سبل تطويرها او تعديلها أو تعويضها دون إحداث قطيعة ودون خلق حالة من الحيرة والترقب و اللاتحديد ، التي يعاني منها الجميع حاليا ، و إجراء افتحاص موضوعي/ محايد وشفاف ، لظروف تبنيها في إطار البرنامج الاستعجالي وكلفتها المادية والمعنوية ، وهل خضعت له ، "الصفقة " التي أبرمت مع مكتب الدراسات البلجيكي والذي يرأسه الأستاذ كزافيي روجيرس صاحب هذه البيداغوجيا ، ووقعها الوزير السابق الأستاذ أحمد اخشيشن و أثارت وقته ، الكثير من الشكوك وردود الفعل الرافضة.
إن ما لا يفهمه من كان وراء هذا القرار غير الاحترافي ، هو أن للإصلاح البيداغوجي شروط علمية و أخرى إدارية و تنظيمية يتم الإعداد لها بعناية شديدة ويحدث في ظروف وحيثيات إنسانية متشابكة وسياق نفسي/اجتماعي معقد يتبلور فيه الإصلاح ويتطور، إنه ليس مثل السيارة التي يمكن استبدالها بسهولة ، كلما ظهرت دواعي الاستغناء عنها. إننا في مرحلة انتقالية جد حرجة تتزامن مع تنزيل مقتضيات الدستور الجديد والسعي نحو إرساء نظام الجهوية الموسعة في إطار من الحرية والديمقراطية ، فإننا في حاجة إلى أسلوب جديد في التفكير والعمل وإلى مقاربة بل وثقافة نوعية جديدة ، تنأى عن إملاء إجراءات فوقية في مجال شديد الحيوية.
أما عن انتقادنا لبيداغوجيا الإدماج والذي كان انتقادا علميا من حيث أسسها النظرية ومكوناتها المنهاجية ،وتنظيميا من حيث طريقة تبنيها وتنزيلها ( بحماس غير مسبوق كما لو كانت "عقيدة"...) النقد الذي نشرناه في أكثر من 30 صفحة ، في مجلات وصحف ورقية ومواقع إلكترونية حوالي سنة قبل مجيء حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران ووزارة الأستاذ محمد الوفا ،تحت عنوان "بيداغوجيا الإدماج في سياق تطوير مناهج التعليم : قراءة نقدية"، فيمكن إجماله في النقاط التالية:
-استيراد بيداغوجيا الإدماج بعد ثبوت فشلها في العديد من البلدان ؛ ونضيف إلى هذا استغرابنا لعدم تطبيقها حتى في بلدها الأصلي، بلجيكا.
-الارتباط الكلي بصاحب هذه البيداغوجيا (العالم –المقاول) والاعتماد عليه "يوميا" في كل صغيرة وكبيرة وعدم القدرة على مناقشته وانتقاد بيداغوجيته والذي كان يشرف على زرعها في تربتنا بنظام التقطير (كوط أ كوط).
- تكبل هذه البيداغوجيا بشكل كبير ، حرية العمل والاجتهاد لدى المدرسين ، وتقيد عمل المشرفين والإداريين التربويين والذين تم اختزال وظائفهم في التقيد بتعاليم هذه البيداغوجيا والحرص بإخلاص وأمانة ، على شرحها وتبليغها في دورات تدريبية خماسية.
- الشرخ التربوي الحاصل بين محتوى الوضعيات من جهة والموارد و التعلمات من جهة أخرى. وكثرة الإجراءات التجزيئية (سيل لا ينتهي من المذكرات )والتشتت بين العديد من أنواع الوضعيات والعدة والموارد ...، مما يضيع وحدة العمل التربوي فيتيه المدرسون والمتعلمون ويفقدون الصلة بين الأهداف الجزئية والمرحلية وبين الكفايات الأساسية المستهدفة .
-الطابع التقني المعقد للمذكرة 204 الخاصة بالتقويم و طول أوراق التفريغ ، وصعوبة إدماج العلامات ( نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحانات الإشهادية ) والتي يجب أن تتم وفق معادلة معقدة وطويلة. وعدم ملاءمة و انسجام المناهج و مقتضيات هذه المذكرة .
-بسببها تم حذف حصص الدعم التربوي الدوري بصفة نهائية .
-الإجهاز على مبدأ تكافؤ الفرص عند تقويم المتعلمين .
- كما لاحظنا ونظرا لضيق مفهوم الإدماج في هذه البيداغوجيا وانحرافه، بأن جل الوضعيات المقترحة بشكل موحد في مختلف الجهات ، لا تساير واقع التلاميذ وخصوصياتهم وأحيانا مستواهم المعرفي والعمري... بينما كان من اللازم أن تكون بعض المواد الدراسية هي "المدمجة" فعلا، كمواد التفتح، عبر توفير الوسائل التعليمية وضمان الانتقال إلى وسط طبيعي للاطلاع والتطبيق...كما هو سائد في جميع البيداغوجيات التي تدعو إلى إشراك التلاميذ وانفتاحهم والعمل بالمشروع وطرق حل المشكلات...قبل ظهور هذه البيداغوجيا بوقت طويل.
ومن هنا نخلص إلى ملاحظة هامة وهي أن بيداغوجيا الإدماج ليست سوى نظريات قديمة متسترة في حلة جديدة ، إن القاعدة الذهبية في هذه البيداغوجيا ،تكمن في تثبيت مكتسبات التلميذ بواسطة مواجهة الوضعيات المشخصة وحل ما تتضمنه من مشكلات. والحقيقة أن هذه القاعدة ليست جديدة ، بل تتقاسمها جميع البيداغوجيات (تقليدية و حديثة ) . فقد كان أبو حامد الغزالي قديما ، يرى على سبيل المثال أن الأخلاق الفاضلة لا تولد مع الإنسان، وإنما يكتسبها عن طريق التربية والتعليم من البيئة التي يعيش فيها، والتربية الأخلاقية السليمة في نظره تبدأ بتعويد الطفل على فضائل الأخلاق وممارستها .فالطريق إلى تربية الخلق عند الغزالي هو التخلق أي حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب ، فمن أراد مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود فعليه أن يتكلف فعل الجود.
وإذا أخذنا البيداغوجيا التقدمية في إطار ما يسمى بالتربية الحديثة ،فإنها تؤكد على:
ضرورة تزويد التلاميذ باستراتيجيات حل المشكلات وليس بالمعرفة والحفظ..
و يجب ان يشتق المنهاج من اهتمامات التلاميذ وليس من المواضيع الأكاديمية ، وما يقتضي ذلك من عناية بحاجياتهم العقلية والانفعالية والنفسية الحركية ،و المدرسون الفعالون هم الذين يزودون التلاميذ بخبرات تمكنهم من التعلم عن طريق العمل .
أما طرق التدريس التي ينبغي اعتمادها ، انسجاما مع مبادئ هذه التربية الحديثة ، فتنطلق من أهمية التعليم عن طريق مجموعة من الأنشطة المعدة بشكل منظم ، والتي تمكن كل تلميذ من المشاركة الايجابية ، التي تساعده في نموه الشخصي والاجتماعي ، و السماح له بالتجريب . ومن هنا تصبح المدرسة مضطرة لاستخدام مواقف الحياة الحقيقية في التعليم ولا تتركها إلى الدراسة النظرية- الأكاديمية ، فتتحول المدرسة إلى معمل اجتماعي يتم فيه التعلم عن طريق الخبرة بدلا من التعلم الشكلي .
- من الانتقادات الأساسية التي لاحظناها كذلك ، على بيداغوجيا الإدماج ، أنها لم تستطع التخلص من بيداغوجيا الأهداف ومن المدرسة السلوكية عموما، بتوجهها التجزيئي وطابعها الإجرائي – التفتيتي ، عند التعامل عمليا مع مراحل وخطوات اكتساب الكفايات وعند محاولة قياس وتقويم مدى تحققها لدى التلاميذ.إنها بيداغوجيا تقنية تجزيئية وسلوكية في العمق رغم ادعائها بالاشتغال في إطار مدخل الكفايات وهو مدخل معرفي – ذهني.
-ملاحظة أخرى ترتبط بتطبيق هذه المقاربة دون تهيئ للمنهاج الملائم ، أوما أسميه بتطبيق بيداغوجيا الإدماج بشكل غير مندمج .لقد أثبتت المعطيات الميدانية في مدارس التجريب (والتي لم يتم العمل بنتائجها ) وجود انتقال مفاجئ لدى المتعلم عند انتقاله من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية . الأمر الذي يربك تعاطيه مع الوضعية الإدماجية وينعكس سلبا على أدائه. وذلك ناتج عن وجود و تساكن سياقين للتعليم والتعلم (منهاجين أو مقاربتين) مختلفين كل الاختلاف. سياق إرساء الموارد ويتم عبر الهدف التعلمي بالمعنى السلوكي، على اعتباره يشكل ممارسة قدرة على محتوى. وهو سياق يختلف عن سياق الوضعيات، وبالتالي تقدم الموارد بالطريقة العادية (التقليدية)عمليا في القسم، ولا يتعاطى المتعلم في هذا السياق مع الوضعيات. وإنما يتعاطى مع مادة مدرسية منفصلة في سياق تعليم تقليدي ( أي في إطار المنهاج السائد ) يرتكز على المحتوى دون القدرة، مما يسبب إرباكا كبيرا خاصة انه يكون قد تعود لمدة شهر ونصف على التعلم (اكتساب الموارد) بالطريقة السائدة قبل " النزول".
سؤال : بعد إلغاء هذه البيداغوجيا لم تتم الإشارة إلى أي بديل منهجي آخر، إذ تركت طرق التدريس رهينة الاختيارات الشخصية للمدرسين، هل يستقيم قرار كهذا من الناحية المؤسساتية؟ وما هي الأضرار التي يمكن أن تلحق من خلاله نسق التعلم و التعليم؟
إن بيداغوجيا الإدماج ، ليست في نظرنا أجرأة ولا تطبيقا لبيداغوجيا الكفايات،إنها قراءة خاصة من بين القراءات الأخرى، بل إنها انحراف عنها وذلك بعدم تركيزها وتشتت عملياتها وكثرة أنواع الوضعيات والطابع التجزيء لنظام التقويم فيها وعموما بتغليب في التقويم الجوانب الكمية على الجوانب الكيفية... مما ينأى بها عن نموذج التدريس بالكفايات لتقترب أكثر من ببيداغوجيا الأهداف ، بحيث يتجزأ النشاط التربوي التعليمي فيفقد الجميع القدرة على الربط بين الجزئيات /التفاصيل وبينها وبين الكفايات الأساسية المستهدفة ...
إن دعوة الوزارة إلى ترك الحرية للمدرسين يختارون النموذج البيداغوجي الذي يريدونه و "يلائمهم" ، هي في نهاية التحليل دعوة إلى العودة للأساليب القديمة/التقليدية العقيمة و التي تعتمد التلقين والحفظ وسلبية المتلقي والسكون الى الممارسات السلطوية ...وقد سمعنا من يطالب بالرجوع إلى كتب المرحوم بوكماخ المدرسية علما بان زمانه هو غير زماننا وحدثت تطورات هائلة في جميع المرافق منذ زمن كنا ندرس فيه بتلك الكتب بشغف كبير .
إننا آمنا بل وناضلنا ، حتى ينتظم العمل التربوي ويخرج من الارتجال والعشوائية وينبني على أسس علمية وأن يتم التخطيط للمناهج والبرامج والكتب المدرسية ونظام التقويم والإشهاد ...والأنشطة التربوية ، داخل المؤسسة وخارجها ، وبلورتها حسب نموذج بيداغوجي (نموذج التدريس بالكفايات على سبيل المثال) له أهداف واختيارات وطرق ومناهج بيداغوجية معينة . كذلك يلعب النموذج البيداغوجي دورا مهما على مستوى توحيد التكوين والتعليم والتقويم وخلق الانسجام والتكامل بين مختلف مكونات المنهاج بل ومختلف مكونات النسق و المنظومة التربوية...
لقد كنا دائما في إطار مقترحنا حول "المنهاج المندمج" ، نطالب بأن نترك للمؤسسات والمدرسين...و في إطار ما يحدده المنهاج العام والموحد والمطبق على الصعيد الوطني ،من كفايات أساسية ، أن نترك هامشا هاما من الحرية و الإبداع والتكيف مع خصوصيات التلاميذ وأسرهم والبيئة التي نعمل فيها فضلا عن تكييف بعض المقررات وبعض المقتضيات التنظيمية ومنها تدبير الزمن المدرسي ، لتلائم خصوصيات الجهات والمناطق .
إننا نقترح أن يتميز النموذج والمنهاج التربوي عموما ،بالسماح للعاملين في قطاع التعليم، بقدر من المرونة في صياغة الملكات/الكفايات المستهدفة واختيار المضامين التعليمية الملائمة ، بحيث نمكن المناطق والمؤسسات والجهات التي يشتغلون بها، من قدر من الحرية لتعديل ومواءمة المقررات الدراسية، مع الاحتياجات والخصوصيات الجهوية ، مع احتفاظها بالأسس المشتركة في المنهاج العام كما أسلفنا. وإقامة مشاريع الشراكة التربوية ، حيث تترك للمؤسسات المبادرة في عقد اتفاقيات التعاون مع القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المحلي،وتعديل مناهجها الدراسية بشكل مندمج ، بما يساير خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويلبي في نفس الآن احتياجات التلاميذ ومتطلبات أسرهم ، دون الإخلال بالمنهاج العام وبنظريته المؤسسة للنظام التربوي الأصيل.
سؤال:لاتزال بيداغوجيا الكفايات تحظى بإجماع بين مختلف المتدخلين في ميدان التربية و التكوين، بصفتكم متخصصا، ما هي المرجعيات النظرية و العلمية التي ينبغي التسلح بها لفهم هذه البيداغوجيا فهما دقيقا؟
إن تطور التربية حاليا ، يتميز بعودة الاهتمام بالعنصر البشري وبروز دوره بشكل جديد . إن ما يميز المخطط و الإداري و المرشد و الموجه و المدرس في وقتنا الحاضر ، هو المواجهة المستمرة للمستجدات و للمواقف غير المتوقعة و اتخاذ القرار . كما أصبح عملهم يتميز بالسعي الحثيث نحو تعديل السلوك والتكيف مع تحولات الواقع وضغوطات العمل اليومي ومسايرة في نفس الآن ، ما يصيب المناهج التعليمية من تجديد و تطوير .
كما ظهرت عناية كبيرة بالمدرسة كمؤسسة و نشطت البحوث التي تهتم بشروط تحويل المدارس إلى مؤسسات ، لها نوع من الاستقلال في اتخاذ القرار على مستوى التجديد التربوي و المساهمة الفعلية في إرساء دعائمه و المبادرة في تنظيم مشروع المؤسسة و المنهاج المندمج للمؤسسة ، وعقد اتفاقيات التعاون و الشراكة مع فعاليات المجتمع المحلي وإشراك أولياء التلاميذ والنقابات و المهنيين من حرفيين وتجار وفلاحين و غيرهم ، في الرفع من مستوى الأداء التربوي والمساهمة في تنمية المحيط الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي .
و نشطت و بموازاة التقدم التكنولوجي ، دراسات تتناول مختلف أوجه الاستفادة من التكنولوجيا في مجال التربية وتوظيفها لتحسين أداء المدرسة والمدرسين.فاكتسحت تكنولوجيا الاتصال و المعلوميات مجال التعليم ليس كوسائل فحسب بل كأسلوب في التفكير وتنظيم العمل.
فظهرت تيارات بحثية ، تدعو إلى التركيز على التدريس بالكفايات.و المقصود بالكفايات " تشكيلة من قدرات معرفية و مهارية ووجدانية ، كلما تمكن الفرد منها إلا وكان قادرا على توظيفها في سياقات كثيرة بعدما ارتبطت في بداية تشكلها واكتسابها بسياق واحد أو بمادة دراسية واحدة.
ولعل من أهم أسباب النجاح الذي لقيته هذه التيارات ، هو أن الكفايات تتميز عن المعارف من حيث العمل على احترام الرغبة في تمكين التلاميذ من أدوات فكرية قابلة للنقل و التحويل. الأمر الذي لا تسمح به دائما المعارف و محتويات المواد الدراسية .
وواكب ذلك ظهور مناهج تسعى إلى ترسيخ المهارات المعرفية/الفكرية و تعمل بتوازن ، على ترسيخ المهارات الحياتية و إقامة الروابط بين المواد الدراسية النظرية و المواد العملية/المهنية ، بما يساير متطلبات سوق العمل المحلية و الوطنية بل و العالمية و يلبي احتياجاتها من التخصصات و المهن .
- مناهج مصممة وفق ميول التلاميذ و احتياجاتهم و مطالب نموهم واحترام تطلعات المجتمع و قيمه ومبادئه ، بشكل متوازن.
- مناهج تتضمن طرائق تدريس حديثة تتيح للتلاميذ فرص التعلم الذاتي و البحث والاكتشاف و اعتبارهم منتجين للمعرفة و ليس مجرد مستقبلين.
وفي هذا السياق اقترحنا المنهاج المندمج حيث يشكل الاندماج مفهوما رئيسا كما أسلفنا، شريطة تبني تعريفه التركيبي والذي نوظفه بشكل متواز ومتكامل في ستة اتجاهات:
1- - اتجاه يوفر الاندماج على مستوى المنهاج الدراسي بمختلف برامجه ومقرراته وهو اندماج أفقي (مستعرض) يحدث تكاملا بين المواد الدراسية في جميع المستويات وخاصة في مستوى التعليم الابتدائي والإعدادي.
2-- اندماج بيداغوجي ، حيث تتقاطع فيه هذا الاتجاه (النموذج) مع المنظور الشمولي للتربية المندمجة فيراعي سواء على مستوى الأهداف العامة ( الملكات/الكفايات الأساسية ) أو على مستوى الأهداف الخاصة ( الملكات/الكفايات النوعية)، مختلف جوانب شخصية الإنسان الروحية و الفكرية و المهارية . فتغتني المعارف وطرق التفكير و تترسخ المهارات و منظومة القيم لتشكل هوية الإنسان المغربي المنشود.
3- - مبدأ الاندماج بين النظري والعملي في إطار واحد ، ومنه ضرورة عناية التربية بالربط بين الفكر والعمل وإلغاء الثنائية التي نلاحظها في المدرسة الحالية السائدة. إذ يشترط في المدرسة المندمجة تحقيق الحد الأدنى من التكامل بين جميع الأنشطة التربوية ، وبين موضوعات الدراسة النظرية والدراسة العملية والأنشطة التطبيقية ، مما يساعد في بناء إنسان سوى ذي شخصية متوازنة ، يفكر بعقله ويجرب بيديه.
-4- كما يساير النموذج التربوي المندمج، الرغبة في الحد من الازدواجية الفاصلة بين مناهج القسم العلمي والتقني ومناهج القسم الأدبى وذلك بتزويد التلميذ بخلفية متينة فى اللغة والرياضيات والعلوم الطبيعية والإنسانية والتكوين الثقافي العام، بشكل متوازن.
5- - يراعي هذا النموذج توجهات المدرسة المغربية المنشودة ، وذلك بتيسير سبل التكامل والاندماج بين مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي من جهة و بينه وبين التعليم الجامعي ، ضمانا لتربية منسجمة ومتجانسة، تربية حريصة على التنسيق المستمر في مستوى العلاقة بين المناهج التربوية وبرامج مختلف أسلاك التعليم.
6- - كما يسير الاندماج المقصود وفي إطار العمل بنظام الجهوية الموسعة والمتقدمة ، مراعاة خصوصيات المناطق ومميزاتها وحاجياتها ، في اتجاه متصاعد بدءا من المستوى المحلي ثم الجهوي فالوطني أي على مستوى المجتمع ككل.
د.محمد دريج لتطوان نيوز
إعداد المصطفى مورادي
 
google-playkhamsatmostaqltradent